للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"العطاء": هو المال الذي يقسمه الإمام في المصالح.

ووقع في رواية بُسر بن سعيد عند مسلم: "فإني عملت على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فعَمَّلني، فقلت مثل ذلك". فقوله: "عَمّلني" -بتشديد الميم، أي أعطاني أجرة عملي.

(فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي) قال الكرمانيّ: جاز الفصل بين أفعل التفضيل، وبين كلمة "من" لأن الفاصل ليس أجنبيًّا، بل هو ألصق به من الصلة؛ لأنه يحتاج إليه بحسب جوهر اللفظ، والصلة محتاجٌ إليها بحسب الصيغة انتهى.

(وَإِنَّهُ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (أَعْطَانِي مَرةً مَالًا، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِهِ منْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("مَا آتَاكَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، مِنْ هَذَا الْمَالِ، مِنْ غَيْرِ مَسأَلَةٍ) أي من غير طلب منك له.

قال النوويّ: فيه النهي عن السؤال. وقد اتفق العلماء على النهي عنه لغير الضرورة. واختُلف في مسألة القادر على الكسب، والأصحّ التحريم. وقيل: يباح بثلاثة شروط: أن لا يُذِلّ نفسه، ولا يُلحّ في السؤال، ولا يؤذي المسؤول، فإن فُقد شرط من هذه الشروط، فهي حرام بالاتفاق انتهى. وقد تقدم تمام البحث في هذه المسألة قريبًا، وباللَّه تعالى التوفيق.

(وَلَا إِشْرَافٍ) أي تطلّع إليه. والإشراف -بالمعجمة-: التعرّض للشيء، والحرص عليه، من قولهم أشرف على كذا: إذا تطاول له. وقيل للمكان المرتفع: شَرَفٌ لذلك.

قال أبو داود: سألت أحمد عن إشراف النفس؟ فقال: بالقلب. وقال يعقوب بن محمد: سألت أحمد عنه؟ فقال: هو أن يقول مع نفسه يبعث إليّ فلان بكذا. وقال الأثرم: يضيق عليه أن يردّه إذا كان كذلك. قاله في "الفتح" (١).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إشراف النفس: تطلّعها، وتشوّفها، وشَرَهُهَا لأخذ المال، ولا شكّ أن هذه الأمور إذا كانت هي الباعثة على الأخذ للمال؛ كان ذلك من أدلّ دليل على شدّة الرغبة في الدنيا، والحبّ لها، وعدم الزهد فيها، والركون إليها، والتوسّع فيها، وكلّ ذلك أحوالٌ مذمومة، فنهاه عن الأخذ على هذه الحالة؛ اجتنابًا للمذموم، وقَمْعًا لدواعي النفس، ومخالفةً لها في هواها، فإن لم يكن كذلك جاز له الأخذ للأمن من تلك العلل المذمومة.

قال الطحاويّ: وليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم انتهى كلام القرطبيّ (٢).

(فَخُذْهُ) أي وجوبًا على ما قاله بعضهم؛ عملًا بظاهر الأمر، وهو الأقرب، أو


(١) - "الفتح" ج ١٥ ص ٥٤ في "كتاب الأحكام". وج ٤ ص ١٠٠ في "الزكاة".
(٢) - راجع "المفهم" ج ٣ ص ٩٠.