مالًا من غير مسألة، وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم فيه، والجمهور على استحباب أخذه على تفصيل في المسألة، لكن القول بالوجوب هو الأقرب؛ لأنه الذي تدلّ عليه ظواهر النصوص، كما سيأتي في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى (ومنها): أن للإمام أن يعطي بعض رعيّته إذا رأى لذلك وجهًا، وإن كان غيره أحوج إليه منه (ومنها): أن ردّ عطية الإمام ليس من الأدب، ولا سيّما من الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية (ومنها): أن فيه منقبةً لعمر بن الخطاب - رضي اللَّه تعالى عنه -، وبيانَ فضله، وزُهده، وإيثاره، وكذا لابن السعديّ - رضي اللَّه تعالى عنه -، فقد طابق فعلُه فعلَه (ومنها): أنّ أخذ ما جاء من المال من غير سؤال، ولا إشراف نفس أفضل من ردّه؛ لأن أخذه يكون أعون على العمل، وألزم للنصيحة, لأنه إذا لم يأخذ كان عند نفسه متطوّعًا بالعمل، فقد لا يجدّ جدّ من أخذ، ركونًا إلى أنه غير ملتزم، بخلاف الذي يأخذ، فإنه يكون مستشعرًا بأن العمل واجبٌ عليه، فيجدّ جدَّه فيه (ومنها): أن التصدّق بالمال بعد قبضه أفضل من التصدّق قبله؛ لأن الإنسان إذا دخل المال في يده يكون أحرص عليه، فإذا تصدّق به، طيّبة نفسه، كان أدلّ على حبه للخير، وقوة إيمانه، بخلاف ما إذا تصدّق قبل قبضه، فإن النفس لا تطمع إليه كثيرًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم أخذ الشخص ما جاءه من المال، من غير مسألة، ولا إشراف، وفي عطيّة السلطان:
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف العلماء فيمن جاءه مالٌ، هل يجب قبوله، أم يُندبُ؟ على ثلاثة مذاهب، حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ، وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحبّ في غير عطيّة السلطان، أما عطيّة السلطان، فحرّمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أَعطَى من لا يستحقّ، وإن لم يغلب الحرام، فمباحٌ، إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقالت طائفة: الأخذ واجبٌ من السلطان وغيره.
وقال آخرون: هو مندوبٌ في عطيّة السلطان، دون غيره، واللَّه أعلم انتهى كلام النوويّ (١).
وقال الحافظ: والتحقيق في المسألة أن من عُلِمَ كون ماله حلالًا، فلا تردّ عطيّته،