للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"الشروط" من هذا الوجه: "فقال: "ما شأن بريرة". وكلها في "صحيح البخاري". ويأتي بعضها للمصنّف. ولمسلم من رواية أبي أسامة، ولابن خزيمة من رواية حماد بن سلمة، كلاهما عن هشام: "فجاءتني بريرة، والنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - جالسٌ، فقالت لي فيما بيني وبينها: ما أراد أهلها، فقلت: لا ها اللَّه إذًا، ورفعت صوتي، وانتهرتها، فسمع بذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسألني، فأخبرته". لفظ ابن خزيمة (١).

(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("اشْتَرِيهَا) وفي رواية: "ابتاعيها" (وَأَعْتِقِيهَا) زاد في رواية: "واشترطي لهم الولاء".

وفيه أن الشرط الفاسد لا يفسد البيع، وأما ما ذكره السنديّ من الاستشكال، والجواب عنه، فإنه مبنيّ على مذهبه، والحقّ أن مثل هذا الشرط لا يفسد البيع؛ لصريح قوله- صلى اللَّه عليه وسلم -: "اشتريها، واشترطي لهم الولاء"، فقد بيّن أن مثل هذا الشرط الباطل لا يؤثّر في صحة البيع، وسيأتي مزيد بسط لذلك في محلّه، إن شاء اللَّه تعالى (فَإِنَّ الْوَلًاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ") وفي رواية: "فإنما الولاء لمن أعتق"، بلفظ "إنما" وهي أداة حصر، وهو إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه، ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء للمعتِقِ نفيه عن غيره. واستدلّ بمفهومه على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجلٌ، أو وقع بينه وبينه محالفة، خلافًا للحنفيّة، ولا للملتقط، خلافًا لإسحاق. ويستفاد من منطوقه إثبات الولاء لمن أعتق سائبةً، خلافًا لمن قال: يصير ولاؤه للمسملمين، ويدخل فيمن أعتق عتقُ المسلم للمسلم، وللكافر، وبالعكس ثبوت الولاء للمعتق. قاله في "الفتح" (٢).

(وَخُيِّرَتْ حِينَ أُعْتِقَتْ) ببناء الفعلين للمفعول: أي خَيّرها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا أعتقت بين أن تبقى مع زوجها، وبين أن تفارقه. وفيه أن الأمة إذا أعتقت تُخيّر، واختلف هل يشترط في الخيار كون زوجها عبدًا، أو تُخيّر مطلقًا، فذهب الجمهور إلى أنها لا تُخيّر إلا إذا كان زوجها عبدًا، وذهبت الحنفيّة إلى أنها تُخيّر مطلقًا، سواء كانت تحت حرّ، أم عبد، والأول هو الأرجح، وسبب الخلاف في ذلك اختلاف الروايات في زوج بريرة، أكان عبدًا، أو حرًّا؟، والأول أصحّ الروايات. وسيأتي تحقيق ذلك في محلّه، من "كتاب الطلاق"، إن شاء اللَّه تعالى.

(وَأُتِيَ) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله قوله (رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بلَحْمٍ، فَقِيلَ: هَذَا مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ) ببناء الفعل للمفعول (عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هُوَ لَهَاَ صَدَقَةٌ) قال ابن مالك -رحمه اللَّه تعالى-: يجوز في "صدقة" الرفع على أنه خبر "هو"، و"لها" صفة، قُدِّمت،


(١) - "فتح" ج ٥ ص ٤٩٩.
(٢) - "فتح" ج ٥ ص ٥٠٣.