ليس أحدٌ إلا وعليه حجة وعمرة. وقال ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: إنها لقرينتها في كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦] انتهى.
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وجزم المصنّف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعيّ، وأحمد، وغيرهما، من أهل الأثر، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوّع، وهو قول الحنفيّة.
واستدلّوا بما رواه الحجّاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: أَتى أعرابيّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللَّه أخبرني عن العمرة، أواجبة هي؟، فقال:"لا، وأن تعتمر خيرٌ لك". أخرجه الترمذيّ. والحجّاج ضعيف. وقد روى ابن لَهِيعة، عن عطاء، عن جابر، مرفوعًا:"الحجّ والعمرة فريضتان". أخرجه ابن عديّ. وابن لهيعة ضعيف، ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، بل رَوَى ابن الجهم المالكيّ بإسناد حسن عن جابر:"ليس مسلم إلا عليه عمرة". موقوف على جابر.
واستدلّ الأولون بما ذُكر في هذا الباب، وبقول صُبَيّ بن مَعْبَد لعمر: رأيت الحجّ والعمرة مكتوبين عليّ، فأهللت بهما، فقال له: هُديت لسنّة نبيّك". أخرجه أبو داود.
وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر لسؤال جبريل عن الإيمان، والإِسلام، فوقع فيه: "وأن تحجّ، وتعتمر"، وإسناده قد أخرجه مسلم، لكن لم يسق لفظه، وبأحاديث أخرى غير ما ذُكر، وبقول اللَّه تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية [البقرة: ١٩٦] أي أقيموهما. وزعم الطحاويّ أن معنى قول ابن عمر: " العمرة واجبة" أي وجوب كفاية. ولا يخفى بُعدُه مع اللفظ الوارد عن ابن عمر، فقد أخرجه ابن خزيمة، والدارقطنيّ، والحاكم بإسناد صحيح، عن نافع، أن ابن عمر كان يقول: ليس من خلق اللَّه أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلًا، فمن زاد فهو خير وتطوّع. وقال سعيد بن أبي عروبة، في "المناسك": عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الحجّ والعمرة فريضتان.
وأثر ابن عبّاس وصله الشافعيّ، وسعيد بن منصور، بإسناد صحيح. انتهى ما في "الفتح" بتصرّف (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور، من وجوب العمرة، هو الحقّ؛ لقوة الأدلة، ومن أقواها حديث الباب، كما أسلفته عن الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في كلامه السابق في المسألة الماضية، ومنها الآية المذكورة. ومن قال: إن المراد