الجهاد، فإنه قد يتكزر، فعُزف، والتعريف للكمال؟ إذ الجهاد لو أتى به مرّة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل كذا قيل.
وقد تعقّبه الحافظ في "الفتح"، واعترضه العينيّ على عادته بما لا طائل تحته.
قال الحافظ: وقع في مسند الحارث بن أبي أسامة: "ثم جهاد" أي بالتنكير، فقد ظهر من هذه الرواية أن التنكير والتعريف من تصرّف الرواة؛ لأن مخرجه واحد فطلب الفرق في مثل هذا غير طائلة انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وقع في رواية المصنّف بتعريف الثلاثة، فصحّ ما قاله الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- من أن ذلك من تصرّفات الرواة، لا من لفظ الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم -، حتى يبحث عن نكتة التنكير والتعريف. فتفطّن. واللَّه تعالى أعلم.
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه تصريح بأن العمل يطلق على الإيمان، والمراد به - واللَّه اعلم- الإيمان الذي يُدخل به في ملّة الإسلام، وهو التصديق بقلبه، والنطق بالشهادتين، فالتصديق عمل القلب، والنطق عمل اللسان، ولا يدخل في الإيمان هنا الأعمال بسائر الجوارح، كالصوم، والصلاة، والحجّ، والجهاد، وغيرها؛ لكونه جُعل قسيمًا للجهاد والحجّ؛ ولقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إيمان باللَّه ورسوله"، ولا يقال هذا في الأعمال، ولا يمنع من تسمية الأعمال المذكورة إيمانًا، فقد قدّمنا دلائله انتهى كلام النوويّ (١).
(قَالَ) الرجل السائل (ثُمَّ مَاذَا؟) كلمة "ثم" للعطف الترتيبيّ، و"ما" مبتدأ، و"ذا" خبره، ثم أيّ شيء أفضل بعد الإيمان باللَّه؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (الْجهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مبتدأ خبره محذوف، أي أفضل، يعني أن قتال الكفّار لإعلاء كلمَة اللَّه أفضل الأعمال بعد الإيمان (قَالَ) السائل أيضًا (ثُمَّ مَاذَا؟) أي ثمّ أيّ شيء أفضل بعد الجهاد في سبيل اللَّه؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (ثُمَّ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ) وفي نسخة: "ثم حجّ مبرور". أي أفضل من غيره.
[تنبيه]: إنما قدّم الجهاد على الحجّ مع أنه فرض كفاية، والحجّ فرض عين, لأنه كان أول الإسلام، ومحاربةِ أعدائه، والجدِّ في إظهاره. وقيل: هو محمول على الجهاد في وقت الزحف الملجىء، والنفير العامّ، فإنه حينئذ يجب الجهاد على الجميع، وإذا كان هكذا فالجهاد أولى بالتحريض، والتقديم من الحجّ؛ لأنه يكون حينئذ فرض عين، ووقوعه فرضَ عين إذ ذاك متكرّر، فكان أهمّ منه. وقيل: قُدّم لأن نفع الجهاد متعدّ؛ لما فيه من المصلحة العامّة للمسلمين، مع بذل النفس فيه بخلاف الحجّ فيهما؛ لأن نفعه قاصر، ولا يكون فيه بذل النفس. وقيل:"ثُمّ" ههنا للترتيب في الذكر، كقوله