للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: الأحسن في الجمع بين ذلك أن يقال: إن البنت المذكورة في رواية أبي يعلى كانت مع عمّ لها, لا مع أبيها، فإن التجوّز في رواية أبي يعلى من لفظ "معه بنت" أهون من التجوّز في جميع الروايات المختلفة الواردة بلفظ: "إن أبي شيخ كبير"، فالابنة سألت عن أبيها، والعمّ سأل عن أبيه. وأيضًا على ما أفاد الحافظ لم يبق الحاجة إلى سؤاله عن أبيه، بعد ما سألت هي عنه. انتهى (١).

وذهب الحافظ العراقيّ -رحمه اللَّه تعالى- إلى أن الأولى في الجمع أن يُحمل على تعدّد القضيّة، قال: إن السؤال وقع مرَّات، مرّة من امرأة عن أبيها، ومرّة من امرأة عن أمها، ومرّة من رجل عن أبيه، ومرّة في السؤال عن الشيخ الكبير، ومرّة في الحجّ عن الميت انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي جمع به الحافظ العراقيّ -رحمه اللَّه تعالى- هو أقرب أوجه الجمع عندي، وأبعدها عن التكلّف. واللَّه تعالى أعلم.

ووقع السؤال عن هذه المسألة من شخص آخر، وهو أبو رَزِين الْعُقَيليّ، وقد تقدّم للمصنّف في -٢/ ٢٦٢١. وهي قصّة أخرى. قال الحافظ: ومن وحّد بينها وبين حديث الخثعميّة، فقد أبعد، وتكلّف. انتهى كلام الحافظ بتصرّف (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لكن في جعل الروايات المختلفة على يحيى بن أبي إسحاق مفسّرة للروايات المختلفة على الزهريّ عندي نظر؛ لأن روايات يحيى أسانيدها فيها كلامٌ؛ إذ هي مضطربة سندًا ومتنًا، كما سبق بيان ذلك، وكما سيأتي أيضًا قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم.

(سَألَتِ النبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، غَدَاةَ جَمعٍ) أي صباح مبيت الناس في جمع، وهي المزدلفة، سمّيت بذلك؛ لاجتماع الناس بها. وَيقال: لأن آدم - عليه السلام - اجتمع هناك بحوّاء. أفاده الفيّوميّ (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ) أي في أمره، وشأنه، ويمكن أن تكون "في" بمعنى "من" البيانيّة. قاله القاري. وفي رواية يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان -١١/ ٢٦٤٠ - : "إن أبي أدركه الحجّ" (عَلَى عِبَادِهِ) متعلّقٌ بـ "فريضة"، أو بحال مقدّر (أَدْرَكَتْ أَبِي) لم يسمّ أيضًا، وهو مفعول "أدركت". وقوله (شَيْخًا) منصوب على الحال، أو بدلٌ من "أبي". وقوله (كَبِيرًا) نعت له. وفي نسخة: "شيخٌ كبيرٌ" بالرفع، وعليه فهو خبر لمحذوف، أي وهو شيخٌ كبيرٌ، والجملة حال في محلّ نصب.

قال السنديّ: قوله: "أدركت أبي شيخا كبيرًا" يفيد أن افتراض الحجّ لا يشترط له


(١) - راجع "المرعاة" ج ٩ ص ٣٢١.
(٢) - "فتح" ج ٤ ص ٥٤٧ - ٥٤٨.