للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نذكر إلا الحجّ وفي أخرى: "مهلّين بالحجّ". وفي أخرى: "لبينا بالحجّ". وظاهر هذه الروايات أن عائشة مع غيرها من الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم -، كانو أوّلاً محرمين بالحجّ، لكن هذا يُستشكل مع ما يأتي لها في -١٨٦/ ٢٩٩١ - من رواية عروة عنها: "فمنّا من أهلّ بالحجّ، ومنّا من أهلّ بعمرة". وفي رواية للبخاريّ: "فمنا من أهلّ بعمرة، ومنا من أهلّ بحج وعمرة، ومنّا من أهلّ بالحجّ".

وقد ذكر الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- الجمع بأن الأول يُحمل على أنها ذكرت ما كانوا يَعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحجّ، فخرجوا، لا يعرفون إلا الحجّ، ثمّ بيّن لهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وجوه الإحرام، وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحجّ".

وسيأتي في -٤٨/ ٢٧١٧ - من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عنها: "فقال: من شاء أن يهُلّ بحجّ فليُهلّ، ومن شاء أن يهُلّ بعمرة فليهلّ بعمرة". ولأحمد من طريق ابن شهاب، عن عروة: "فقال: من شاء فليهلّ بعمرة، ومن شاء فليهلّ بحجّ.

قال: وأما عائشة نفسها، فقد جاء عند البخاريّ من طريق هشام بن عروة عن أبيه، عنها، أنها قالت: "وكنت ممن أهلّ بعمرة". زاد أحمد من وجه آخر عن الزهريّ: "ولم أسق هديًا". فادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة، والصواب رواية الأسود، والقاسم، وعروة عنها أنها أهلّت بالحج مفردًا.

وتُعُقّب بأن قول عروة عنها إنها أهلّت بعمرة صريحٌ، وأما قول الأسود وغيره عنها: "لا نرى إلا الحجّ"، فليس صريحًا في إهلالها بحجّ مفرد، فالجمع بينهما ما تقدّم، من غير تغليط عروة، وهو أعلم الناس بحديثها. وقد وافقه جابر بن عبد اللَّه الصحابيّ، كما أخرجه مسلم عنه. وكذا طاوس، ومجاهد، عن عائشة.

ويحتمل في الجمع أيضًا أن يقال: أهلّت عائشة بالحجّ مفردًا، كما فعل غيرها من الصحابة، وعلى هذا ينزّل حديث الأسود، ومن تبعه: "ثمّ أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يد أصحابه أن يفسخوا الحجّ إلى العمرة، ففعلت عائشة ما صنعوا، فصارت متمتّعة". وعلى هذا يتنزّل حديث عروة: "ثم لما دخلت مكّة، وهي حائض، فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض، أمرها أن تُحرم بالحجّ"، على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك، واللَّه أعلم انتهى كلام الحافظ بتصرّف (١).

وقد تعقّب هذا الجمع صاحب "مرعاة المفاتيح" في ٨/ ٤٥٦ - وسيأتي ذكره عند ذكر الاختلاف والجمع بين الروايات في كون عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أهلّت متمتعة، أو مفردة بحج، أو عمرة مستوفّى في ٥٨/ ٢٧٦٣ إن شاء اللَّه تعالى.


(١) - راجع "الفتح" ج ٤ص ٢٠٩ - ٢١٠.