للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خروجه من المدينة كان يوم السبت، كما تقدّم، فيكون مكثه في الطريق ثمان ليال، وهي المسافة الوسطى انتهى.

وقال في شرح "باب الخروج آخر الشهر" من "كتاب الجهاد": قد استشكل قول ابن عباس، وعائشة - رضي اللَّه عنها - أنه خرج لخمس بقين؛ لأن ذا الحجة كان أوله الخميس؛ للاتفاق على أن الوقفة كانت يوم الجمعة، فيلزم من ذلك أن يكون خرج يوم الجمعة، ولا يصحّ ذلك؛ لقول أنس - رضي اللَّه عنه -: إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربعًا، ثم خرج.

وأجيب بأن الخروج كان السبت، وإنما قال الصحابة: "لخمس بقين" بناء على العدد؛ لأن ذا القعدة كان أوله الأربعاء، فاتّفق أن جاء ناقصًا، فجاء أول ذي الحجة الخميس، فظهر أن الذي كان بقي من الشهر أربع، لا خمس. كذا أجاب به جمع من العلماء.

ويحتمل أن يكون الذي قال: "لخمس بقين" أراد ضمّ يوم الخروج إلى ما بقي؛ لأن التأهّب وقع في أوله، وإن اتّفق التأخير إلى أن صُلّيت الظهر، فكأنهم لَمّا تأهّبوا باتوا ليلة السبت على سفر اعتدّوا به من جملة أيام السفر. واللَّه تعالى أعلم.

وقال العلامة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: وجه ما اخترناه أن الحديث صريحٌ في أنه خرج لخمس بقين، وهي يوم السبت، والأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، فهذه خمس، وعلى قول ابن حزم يكون خروجه لسبع بقين، فإن لم يعدّ يوم الخروج كان لست، وأيّهما كان، فهو خلاف الحديث، وإن اعتبر الليالي كان خروجه لستّ ليال بقين، لا لخمس، فلا يصحّ الجمع بين خروجه يوم الخميس، وبين بقاء خمس من الشهر البتّة، بخلاف ما إذا كان الخروج يوم السبت كان الباقي بيوم الخروج خمساً بلا شكّ. ويدلّ عليه أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ذكر لهم في خطبته شأن الإحرام، وما يلبس المحرم بالمدينة على منبره، والظاهر أن هذا كان يوم الجمعة؛ لأنه لم ينقل أنه جمعهم، ونادى فيهم لحضور الخطبة، وقد شهد ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذه الخطبة بالمدينة على منبره، وكان عادته - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يعلّمهم في كلّ وقت ما يحتاجون إليه، إذا حضر فعله، فأولى الأوقات به الجمعة التي تلي خروجه، والظاهر أنه لم يكن ليدع الجمعة، وبينه وبينها بعض يوم، من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخَلْق، وهو أحرص الناس على تعليمهم الدين، وقد حضر ذلك الجمع العظيم، والجمع بينه وبين الحجّ ممكن، بلا تفويت. واللَّه تعالى أعلم (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن أرجح الأقوال أن خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يوم السبت، وبهذا تجتمع الروايات المختلفة في هذا لباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب،


(١) - راجع "المرعاة" ج ٨ص ٤٥٢ - ٤٥٤.