(الأول): أنه خرج يوم الجمعة، وهذا وَهَمٌ قبيح، وخطأ فاحش، تردّه الروايات الصحيحة, إذ من المعلوم الذي لا ريب فيه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى الظهر يوم خروجه بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
(القول الثاني): ما ذهب إليه ابن حزم، واختاره العينيّ في "شرح البخاريّ" أن خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة كان يوم الخميس، لستّ بقين من ذي القعدة. حكى هذا القول ابنُ القيّم في "الهدي" عن ابن حزم، وذكر كلامه مفصّلاً، ثم بسط في الرّدّ عليه، وسيأتي شيء من كلامه مع الجواب عنه.
(القول الثالث): ما اختاره المحقّقون من شُرّاح الحديث، وأصحاب التواريخ أنّ خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان لخمس بقين من ذي القعدة يوم السبت. وبه جزم ابن القيّم في "الهدي"، وهو ما اختاره الحافظ في "الفتح"، إذ قال في شرح قول ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "وذلك لخمس بقين من ذي القعدة": ما لفظه: أخرج مسلم مثله من حديث عائشة، واحتجّ به ابن حزم في "كتاب حجة الوداع" له على أن خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة كان يوم الخميس، قال: لأن أول ذي الحجّة كان يوم الخميس بلا شكّ؛ لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف، وظاهر قول ابن عباس:"لخمس" يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم الجمعة، بناءٌ على ترك يوم الخروج، وقد ثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربعًا، كما سيأتي من حديث أنس - رضي اللَّه عنه -، فتبيّن أنه لم يكن يوم الجمعة، فتعيّن أنه يوم الخميس.
وتعقّبه ابن القيّم بأن المتعيّن أن يكون يوم السبت، بناء على عدّ يوم الخروج، أو على ترك عدّه، ويكون ذو القعدة تسعًا وعشرين يومًا انتهى. ويؤيّده ما رواه ابن سعد، والحاكم في "الإكليل" أن خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة كان يوم السبت، لخمس بقين من ذي القعدة. وقال الحافظ أيضًا: جزم ابن حزم بأن خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - من المدينة كان يوم الخميس. وفيه نظر؛ لأن أول ذي الحجّة كان يوم الخميس قطعًا؛ لما ثبت، وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة، وتعيّن أن أول الشهر يوم الخميس، فلا يصحّ أن يكون خروجه يوم الخميس، بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة، لكن ثبت في "الصحيحين" عن أنس - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صلينا الظهر مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين". فدلّ على أنّ خروجهم لم يكن يوم الجمعة، فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت، ويُحمَل قول من قال:"لخمس بقين" أي إن كان الشهر ثلاثين، فاتفق أن جاء تسعًا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضيّ أربع ليال، لا خمس. وبهذا تتّفق الأخبار. هكذا جمع الحافظ عماد الدين ابن كثير بين الروايات، وقوّى هذا الجمع بقول جابر - رضي اللَّه عنه - أنه خرج لخمس بقين، أو أربع، وكان دخوله - صلى اللَّه عليه وسلم - مكّة صُبْحَ رابعة، كما ثبت في حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وذلك يوم الأحد، وهذا يؤيّد أن