وقال الحافظ في "الفتح": وقد أزال الإشكال أي إشكال اختلاف الروايات في مكان إهلاله - صلى اللَّه عليه وسلم - ما رواه أبو داود، والحاكم من طريق سعيد بن جبير، قلت لابن عبّاس: عَجِبتُ … فذكر الحديث، ثم قال: فعلى هذا، فكان إنكار ابن عمر على من يخصّ الإهلال بالقيام على شرف البيداء انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في حمل إنكار ابن عمر على ما ذُكر نظر لا يخفى؛ إذ إنكاره غير قاصر على ذلك، كما يتّضح من مراجعة رواياته، فتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.
وقال الشوكانيّ في شرح حديث ابن عباس المذكور: هذا الحديث يزول به الإشكال، ويجمع بين الروايات المختلفة بمافيه، فأوضحه، ثم قال: وهذا يدلّ على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يُهلّ في مسجدها بعد فراغه من الصلاة، ويكرّر الإهلال عند أن يركب على راحلته، وعند أن يمرّ بشرف البيداء انتهى.
وقال الحافظ في "الدراية": وقد ورد ما يجمع بين هذه الأحاديث من حديث ابن عبّاس، عند أبي داود، والحاكم، فذكره، ثم قال: وهذا لو ثبت لرجح ابتداء الإهلال عقب الصلاة، إلا أنه من رواية خُصيف، وفيه ضعف انتهى.
وقال أبو محمد ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: حديث ابن عباس هذا في طريقه خُصيف، وهو ضعيف، وحديث أبي داود الأنصاريّ المازنيّ من طريقة قوم غير مشهورين.
والأحاديث الدّالّة على إحرامه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد ما استقلّت به راحلته، وإحرامه بعد الاستواء على البيداء كلها صحيحة، متّفق على صحّتها، إلا أن في أحاديث ابن عمر زيادة على حديث جابر، وأنس، وعائشة - رضي اللَّه عنهم -، وهو أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أهلّ من عند مسجد ذي الحليفة حين أدخل رجله في الغَرْز (١)، واستقلّت به الراحلة، وهذا صريح في الدلالة على أنه لم يكن عقب الركوب، ولا في مصلاّه، ولو صحّ حديث ابن عبّاس، وأبي داود لوجب تقديم العمل به على حديث ابن عمر؛ لما فيه من الزيادة، لكن لَمّا كان حديث ابن عمر متّفقًا على صحّته، ولم يصحّ حديثهما وجب المصير إليه دونهما. ولَمّا كان في حديث ابن عمر زيادة على حديث من سواه ممن اتّفق على صحّة روايته، وهي كون الإهلال من عند المسجد، فيكون ذلك قبل الاستواء على البيداء، وجب العمل به، ويكون من رواه عند الاستواء على البيداء إنما سمعه حالتئذ يلبّي، فظنّ أن ذلك أوّل إهلاله.
ويمكن أن يُقضى بحديث ابن عمر على حديث ابن عبّاس، ويكون قوله:"في مصلاّه" زيادة من الراوي، ليس من قول ابن عبّاس، ويصدق على من أحرم من عند