للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النفساء تؤمر بالغسل عند الإحرام للنظافة، لا للطهار، ومثلها الحائض (ومنها): أن النفاس لا يَمْنَعُ عن أفعال الحجّ، بخلاف الصلاة، والصوم (ومنها): أن النفساء وكذا الحائض لا يطوفان بالبيت حتى يطهرا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاغتسال للإحرام:

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: في أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الحائض، والنفساء بالغسل عند الإهلال دليلٌ على تأكيد الإحرام بالغسل بالحجّ، أو العمرة. إلا أن جمهور العلماء يستحبّونه، ولا يوجبونه، وما أعلم أحدًا من المتقدّمين أوجبه إلا الحسن البصريّ، فإنه قال في الحائض، والنفساء: إذا لم تغتسل عند الإهلال اغتسلت إذا ذكرت، وبه قال أهل الظاهر: الغسل واجب عند الإهلال على كلّ من أراد أن يهلّ، وعلى كلّ من أراد الحجّ طاهرًا كان، أو غير طاهر. وقد روي عن عطاء إيجابه، وروي عنه أن الوضوء يكفي منه. انتهى كلام ابن عبد البرّ (١).

وقال العلاّمة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: من أراد الإحرام استُحبّ له أن يغتسل قبله في قول أكثر أهل العلم، منهم: طاوس، والنخعيّ، ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي؛ لما روى خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، أنه رأى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تجرد لإهلاله، واغتسل. رواه الترمذيّ، وقال: حديث حسن غريب (٢).

وثبت أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر أسماء بنت عميس، وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام. وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحجّ، وهي حائض. ولأن هذه العبادة يجتمع لها الناس، فسُنّ لها الاغتسال، كالجمعة. وليس ذلك واجبًا في قول عامة أهل العلم.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإحرام جائزٌ بغير اغتسال، وأنه غير واجب. وحكي عن الحسن أنه قال: إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر.

وقال الأثرم: سمعت أبا عبد اللَّه، قيل له عن بعض أهل المدينة: من ترك الغسل عند الإحرام، فعليه دم؛ لقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لأسماء، وهي نفساء: "اغتسلي"، فكيف الطاهر؟ فأظهر التعجّب من هذا القول. وكان ابن عمر يغتسل أحيانًا، ويتوضّأ أحيانًا.

وأي ذلك فعل أجزأ، ولا يجب الاغتسال، ولا نُقل الأمر به، إلا لحائض، أو نفساء، ولو كان واجبًا لأمر به غيرهما. انتهى كلام ابن قدامة (٣).


(١) - راجع "الاستذكار" ١١/ ١١.
(٢) - في سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد، متكلّم فيه، إلا أن لحديثه شواهد، فلا ينزل عن درجة الحسن. راجع "مرعاة المفاتيح" ٨/ ٤٦٩ - ٤٧٠.
(٣) - راجع "المغني" ٥/ ٧٥ - ٧٦.