مسعود، فإنه سيتابعنا، فقال ابن مسعود:{قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[الأنعام: ٥٦] أقضي فيها بقضاء رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "للبنت النصفُ، ولابنة الابن السدسُ تكملة للثلثين، وما بقي فللأخت".
وبعضهم لم يرفع هذا الحديث، وجعله موقوفًا على ابن مسعود، وكلّهم رووا فيه:{قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} الآية.
وفي "الموطإ" أن أبا موسى الأشعريّ أفتى بجواز رضاع الكبير، وردّ ذلك عليه ابن مسعود، فقال أبو موسى: لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم.
وروى مالك عن ابن مسعود: أنه رجع عن قوله في الربيبة إلى قول أصحابه في المدينة (١).
وهذا الباب طويل إذا كان الصحابة خير أُمّة أُخرجت للناس، وهم أهل العلم والفضل، لا يكون أحدهم حجة على صاحبه، إلا الحجة من كتاب اللَّه، أو سنّة نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فمن دونهم أولى أن يَعضِدَ قولَه بما يجب التسليم له.
قال مجاهد في قوله تعالى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} الآية [السبأ: ٦] قال: أصحاب محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -.
قال مالك: الحكم حكمان: حكم جاء به كتاب اللَّه، وحكم أحكمته السنّةُ. قال: ومجتهدُ رأيه، فلعلّه يُوفّق، ومتكلّف، فطُعن عليه.
قال: وذكر ابن وضاح، عن ابن وهب، قال: قال لي مالك: الحكمة، والعلم نورٌ يهدي به اللَّه من يشاء، ويؤتي الحكمة من أحبّ من عباده، وليس بكثرة المسائل. قال
(١) - رواه مالك في "الموطإ" في "كتاب النكاح" - "باب ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته"، ولفظه: وحدثني عن مالك، عن غير واحد، أن عبد اللَّه بن مسعود، استفتي وهو بالكوفة، عن نكاح الأم بعد الابنة، إذا لم تكن الابنة مُسّت، فأرخص في ذلك، ثم إن ابن مسعود، قدم المدينة، فسأل عن ذلك، فأخبر أنه ليس كما قال، وإنما الشرط في الربائب، فرجع ابن مسعود إلى الكوفة، فلم يصل إلى منزله، حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك، فأمره أن يفارق امرأته، قال مالك، في الرجل تكون تحته المرأة، ثم ينكح أمها، فيصيبها: إنها تحرم عليه امرأته، ويفارقهما جميعًا، ويحرمان عليه أبدا، إذا كان قد أصاب الأم، فإن لم يصب الأم، لم تحرم عليه امرأته، وفارق الأم، وقال مالك، في الرجل يتزوج المرأة، ثم ينكح أمها، فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبدا, ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته، قال مالك: فأما الزنا، فإنه لا يحرم شيئًا من ذلك, لأن اللَّه تبارك وتعالى قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}، فإنما حرم ما كان تزويجا, ولم يذكر تحريم الزنا، فكل تزويج كان على وجه الحلال، يصيب صاحبه امرأته، فهو بمنزلة التزويج الحلال، فهذا الذي سمعت، والذي عليه أمر الناس عندنا.