للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به القرطبيّ على وجوب الدلك في الغسل، قال: لأن الغسل لو كان يتمّ بدونه لكان المحرم أحقّ بأن يجوز له تركه. قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه (١).

(ومنها): أنه استُدلّ به على أن تخليل شعر اللحية في الوضوء باق على استحبابه، خلافًا لمن قال: يكره، كالمتولّي من الشافعيّة، خشية انتتاف الشعر؛ لأن في الحديث: "ثم حرّك رأسه بيده". ولا فرق بين شعر الرأس واللحية، إلا أن يقال: إن شعر الرأس أصلب. والتحقيق أنه خلاف الأولى في حقّ بعض دون بعض. قاله السبكيّ الكبير. قاله في "الفتح" (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: بل الإطلاق هو التحقيق؛ لأن الشارع الحكيم ما استثنى الحاجّ حين شرع تخليل اللحية. فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): الرجوع إلى النصّ عند الاختلاف، وترك الاجتهاد، والقياس عند وجود النصّ.

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: في هذا الحديث من الفقه أن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - إذا اختلفوا لم تكن في قول واحد منهم حجة على غيره، إلا بدّليل يجب التسليم له، من الكتاب، أو السنّة، ألا ترى أن ابن عباس والمسور - رضي اللَّه عنهم - لما اختلفا لم يكن لواحد منهما حجة على صاحبه حتى أدلى ابن عبّاس بالحجة بالسنة، ففلج -أي فاز، وغلب خصمه بحجته-.

وهذا يبيّن لك أن قوله - عليه السلام -: "أصحابي كالنجوم (٣) " هو على ما فسّره المزنيّ وغيره، وأن ذلك في النقل؛ لأن جميعهم ثقات عدول، فواجب قبول من نقل كلّ واحد منهم، ولو كانوا كالنجوم في آرائهم، واجتهادهم إذا اختلفوا لقال ابن عباس للمسور: أنت نجم، وأنا نجمٌ، فلا عليك، وبأيّنا اقتدى المقتدي فقد اهتدى، ولَمَا احتاج لطلب البيّنة، والبرهان من السنّة على صحّة قوله.

وكذا سائر الصحابة - رضي اللَّه عنهم - إذا اختلفوا حكمهم كحكم ابن عبّاس والمسور، وهم أوّل من تلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: ٥٩].

قال العلماء: إلى كتاب اللَّه، وإلى سنة نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما كان حيًّا، فإن قُبض فإلى سنّته. ألا ترى أن ابن مسعود قيل له: أنَّ أبا موسى الأشعريّ قال في أخت، وابنة ابن: إن للابنة النصفَ، وللأخت السدسَ، ولا شيء لبنت الابن. وأنه قال للسائل: ائت ابن


(١) - "فتح" ٤/ ٥٣٤.
(٢) - "فتح" ٤/ ٥٣٤.
(٣) -حديث واه سيأتي الكلام عليه.