وقال أبو محمد ابن حزم: ٦/ ٨٣ - : فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلاً، بل لا شكّ أنها مكذوبة؛ لأن اللَّه تعالى يقول في صفة نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣و٤] فإذا كان كلامه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الشريعة حقًّا، وواجبًا، فهو من اللَّه تعالى بلا شكّ، وما كان من اللَّه تعالى، فلا يُختَلَف فيه، لقوله تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢] وقد نهى اللَّه تعالى عن التفرّق والاختلاف بقوله: {وَلَا تَنَازَعُوا}[الأنفال: ٤٦] فمن المحال أن يأمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - باتباع كلّ قائل من الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، وفيهم من يحلّل الشيء، وغيره يحرّمه، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالاً، اقتداءً بسمرة بن جندب، ولكان أكل البَرَد للصائم حلالاً، اقتداءً بأبي طلحة، وحرامًا اقتداءً بغيره منهم، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبًا، اقتداء بعليّ، وعثمان، وطلحة، وأبي أيوب، وأبيّ بن كعب، وحرامًا اقتداء بعائشة، وابن عمر، وكلّ هذا مرويّ عندنا بالأسانيد الصحيحة.
ثم أطال في بيان بعض الآراء التي صدرت من الصحابة، وأخطأوا فيها السنّة، وذلك في حياته - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبعد مماته، ثم قال (٨٦): فكيف يجوز تقليد قوم يُخطئون، ويصيبون؟.
وقال قبل ذلك ٥/ ٦٤ - تحت باب "ذمّ الاختلاف":
وإنما الفرض علينا اتباع ما جاء به القرآن عن اللَّه تعالى الذي شرع لنا دين الإسلام، وما صحّ عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الذي أمره اللَّه تعالى ببيان الدين … فصحّ أن الاختلاف لا يجب أن يراعى أصلاً، وقد غلط قومٌ، فقالوا: الاختلاف رحمة، واحتجّوا بما رُوي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". قال: وهذا الحديث باطل مكذوب من توليد أهل الفسق؛ لوجوه ضروريّة:
(أحدها): أنه لم يصحّ من طريق النقل. (والثاني): أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يَجُز أن يأمر بما نهى عنه، وهو - عليه السلام - قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسّره، وكَذَب عمر في تأويل تأوله في الهجرة، وخطأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العدّة. فمن المحال الممتنع الذي لا يجوز البتة أن يكون - عليه السلام - يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ، فيكون حينئذ أمر بالخطأ، تعالى اللَّه عن ذلك، وحاشا له - صلى اللَّه عليه وسلم - من هذه الصفة، وهو - صلى اللَّه عليه وسلم - قد أخبر أنهم يُخطئون، فلا يجوز أن يأمر باتباع من يُخطىء، إلا أن يكون - عليه السلام - أراد نقلهم لما رووا عنه، فهذا صحيح؛ لأنهم - رضي اللَّه عنهم - كلهم ثقات، فمن أيهم نقل فقد اهتدى الناقل.
(والثالث): أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يقول الباطل، بل قوله الحقّ، وتشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد، وكذب ظاهر؛ لأنه من أراد مطلع الجدي، فأمّ جهة مطلع