للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في حديث ابن عباس عند الشيخين: خطبنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعرفات، فقال: من لم يجد الإزار … " الحديث، فيحمل على التعدّد، ويؤيّده أن حديث ابن عمر أجاب به السائل، وحديث ابن عبّاس ابتدأ به في الخطبة انتهى (١).

(مَا يَلْبَسُ) "ما" استفهاميّة، أو موصولة، أو موصوفة في محلّ نصب مفعول ثان لـ"سأل". و"يلبس" بفتح المثنّاة، والموحّدة، من اللبس بضم اللام، يقال: لبس الثوب يلبسه، من باب علم يعلم. وأما اللبس بفتح اللام، فهو مصدر لَبَستُ عليه الأمرَ ألبِسه، من باب ضرب: إذا خلطت عليه، ومنه اشتباهه، ولا يناسِبُ هنا.

(الْمُحْرِمُ) المراد به الرجل، لا المرأة؛ لأنها لا تمنع من لبس هذه الأنواع. قال ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذُكر، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسّه الزعفران، أو الورس، وسيأتي الكلام على ذلك، إن شاء اللَّه تعالى (مِنَ الثَّيَابِ؟) أي من أنواع الثياب، وهو بيان لـ"ما"، أو للمسؤول عنه.

[تنبيه]: قوله: "ما يلَبس المحرم من الثياب الخ" هذا هو المشهور في الرواية عن نافع، عن ابن عمر، وقد رواه أبو عوانة من طريق ابن جريج، عن نافع، بلفظ: "ما يترك المحرم؟ ". قال الحافظ: وهي شاذّة، والاختلاف فيها على ابن جريج، لا على نافع. وأخرجه أحمد ٢/ ٨ عن سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن سالم، عن ابن عمر، فقال مرّةً: "ما يترك؟ ومرّةً: "ما يلبس". وأخرجه أبو داود، عن ابن عيينة بلفظ: "ما يترك؟ " من غير شكّ. ورواه سالم، عن ابن عمر بلفظ: "أن رجلاً قال: ما يجتنب المحرم؟ ". أخرجه أحمد ٢/ ٣٤، وابن خزيمة، وأبو عوانة في "صحيحيهما" من طريق عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهريّ، عنه. وأخرجه البخاريّ في أواخر الحجّ من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهريّ بلفظ نافع، فالاختلاف فيه على الزهريّ يُشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى، فاستقامت رواية نافع؛ لعدم الاختلاف فيها.

(قَالَ: "لا يَلْبَسُ") بالرفع على الخبر على الأشهر، وهو في معنى النهي. وروي بالجزم على أنه نهي.

وفي رواية نافع الآتية: ٣٠/ ٢٦٦٩: "لا تلبسوا" بضمير الجمع.

وهذا الجواب مطابق للسؤال على إحدى الروايتين، وهي قول السائل: "ما يترك المحرم؟ "، أو "ما يجتنب المحرم؟ "، وأما على الرواية المشهورة، أي قول السائل: "ما يلبس المحرم"، فإن المسؤول عنه ما يلبسه المحرم، فأجيب بذكر ما لا يلبسه،


(١) - "الفتح" ٤/ ١٨٢.