للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحكمة فيه أن ما يجتنبه المحرم، ويمتنع عليه لبسه محصور، فذِكْرُه أولى، ويبقى ما عداه على الإباحة، بخلاف ما يُباح لبسه، فإنه كثير، غير محصور، فذكره تطويل، وفيه تنبيه على أن السائل لم يُحسن السؤال، وأنه كان الأليق السؤال عما يتركه، فعدل عن مطابقته إلى ما هو أولى، وبعض علماء المعاني يسمّي هذا بـ "أسلوب حكيم"، وقريب منه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} الآية [البقرة: ٢١٥]، فالسؤال عن جنس المنفق، فعدل عنه في الجواب إلى جنس المنفق عليه؛ لأنه أهمّ، وكان اعتناء السائل بالسؤال عنه أولى.

ومثله قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} الآية.

قال النوويّ في "شرح مسلم": قال العلماء: هذا من بديع الكلام، وجَزْله، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - سُئل عما يلبسه المحرم، فقال: لا تلبسوا كذا وكذا، فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات، ويلبس ما عداها، فكان التصريح بما لا يُلبس أولى؛ لأنه منحصر، فأما الملبوس الجائز للمحرم، فغير منحصر، فضبط الجميع بقوله: "لا يلبس كذا وكذا" يعني، وبلبس ما سواه انتهى.

وقال البيضاويّ: سئل عما يلبس، فأجاب بما لا يُلبس ليدلّ بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب؛ لأنه أخصر، وأحصر. وفيه إشارة إلى أن حقّ السؤال عما لا يبلس.

وقال الشيخ ابن دقيق العيد في "شرح العمدة": فيه دليل على أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود، كيف كان؟ ولو بتغيير، أو زيادة، ولا يشترط المطابقة انتهى.

(الْقَمِيصَ) بالإفراد، وفي الرواية الآتية "القُمُص" بضمّتين، وهو جمع قميص، وهو نوع من الثياب معروف، وهو الدرع. وذكر ابن الهمام في أبواب النفقة من "فتح القدير" أنهما سواء، إلا أن القميص يكون مجيبًا من قبل الكتف، والدرع من قبل الصدر انتهى.

ونبّه به وبالسراويل على جميع ما في معناهما، وهو ما كان محيطًا، أو مخيطًا معمولاً على قدر البدن، أو قدر عضو منه، وذلك مثل الجبّة، والقميص، والقباء، والتُّبّان، والقفّاز.

(وَلَا الْبُرْنُسَ) بضمتين، جمعه برانيس بفتح الموحّدة، وكسر النون، قال الأزهريّ، وصاحب "المحكم"، وغيرهما: البرنس كلّ ثوب رأسه ملتزق به، درّاعة كانت، أو جبّة، أو مِمْطَرًا (١)، من البِرْس بكسر الباء، وهو القطن، والنون زائدة.


(١) - "الممطر" بكسر الميم الأولى، وفتح الطاء: ما يُلبس في المطر، يُتوقّى به. ذكره في "المرعاة" ٩/ ٣٣٣.