قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فيما قال العينيّ نظر لا يخفى، فإن أبا معاوية زيادةً على ما ذكر من اضطرابه في حديث غير الأعمش كما قال أحمد، فإنه مدلّس، كما صرّح به يعقوب بن شيبة، وابن سعد، وقد عنعنه هنا، فكيف يصحّ؟.
وأما الحديث الذي ذكره عن "المسند" ففي سنده حجاج بن أرطاة كثير التدليس عن الضعفاء وفيه أيضًا حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه، وهو ضعيف، كما قاله الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ٢١٩. فالحقّ ما قاله الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى-، من عدم جواز لبس المصبوغ بزعفران، أوورس، وإن كان مغسولاً؛ لإطلاق حديث الباب، وعدم صحّة ما احتجّ به الجمهور، كما عرفته آنفًا. واللَّه تعالى أعلم.
واستدلّ به المهلّب على منع استدامة الطيب. وفيه نظر. واستنبط من منع لبس الثوب المزعفر منع أكل الطعام الذي فيه الزعفران. وهذا قول الشافعيّة. وعن المالكيّة خلاف. وقال الحنفيّة: لا يحرم؛ لأن المراد اللبس، والتطيّب، والآكل لا يُعدّ متطيّبًا.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الحنفيّة عندي أقوى. واللَّه تعالى أعلم.
(وَلَا خُفَّيْنِ) تثنية خُفّ بضم، فتشديد، وفي رواية نافع الآتية:"ولا الخفاف"، وهو بالكسر جمع خفّ (إلاَّ لِمَنْ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ) وفي رواية نافع الآتية: "إلا أحد لا يجد نعلين". قال القاري:"أحد" بالرفع على البدلية من واو الضمير -يعني في رواية "لا تلبسوا". وقال في "شرح الموطإ" بالنصب عربيّ جيّد. وروي بالرفع، وهو المختار في الاستثناء المتّصل بعد النفي وشبهه. وقال الزين ابن المنيّر: يستفاد منه جواز استعمال "أحد" في الإثبات، خلافًا لمن خصّه بضرورة الشعر، كقوله:
قال: والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل في الإثبات إلا إن كان يعقبه نفيٌ، وكان الإثبات حينئذ في سياق النفي.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ) قال الحافظ: المراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده، أو عدم بذل المالك له، أو عجزه عن الثمن، إن وجد من يبيعه، أو الأجرة، ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه، أو وهب له لم يجب قبوله إلا إن أعير له انتهى.
واستُدلّ به على أن من وجد النعلين لا يلبس الخفّين المقطوعين، وهو قول الجمهور، وأجازه الحنفيّة، وبعض الشافعيّة. وقال ابن العربيّ: إن صارا كالنعلين جاز، وإلا متى سترا من ظاهر الرجل شيئًا لم يجز إلا للفاقد. وقال الزرقانيّ: فإن لبسهما مع وجود النعلين افتدى عند مالك، والليث، وعن الشافعيّ قولان انتهى.