عليه، خمّره عمر - رضي اللَّه عنه - بالثوب، فجئته، فأدخلت رأسي معه في الثوب … " (أَنْ تَعَالَ) "أن" تفسيريّة، وكأن عمر - رضي اللَّه عنه - علم أن ذلك لا يشقّ على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَأدْخَلْتُ رَأْسِي الْقُبَّةَ) أي ليراه - صلى اللَّه عليه وسلم - في حال نزول الوحي عليه (فَأَتَاهُ رَجُلٌ) الفاء هنا ليست للترتيب؛ لأن مجيء الرجل، واستفتاءه هو السبب في نزول ذلك الوحي، كما تفيده الروايات الأخرى، ففي رواية مسلم: "فلما كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالجعرانة، وعلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ثوبٌ قد أُظلّ به عليه، معه ناسٌ من أصحابه، فيهم عمر، إذ جاءه رجلٌ عليه جبّة صوف، متضمّخٌ بطيب، فقال: يا رسول اللَّه، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، في جبّة بعد ما نضمّخٌ بطيب؟، فنظر إليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ساعةً، ثم سكت، فجاءه الوحي … " الحديث. وفي رواية للبخاريّ: "جاء أعرابيّ".
قال الحافظ: لم أقف على اسمه، لكن ذكر ابن فتحون في "الذيل" عن "تفسير الطرطوشيّ" أن اسمه عطاء ابن منية، قال ابن فتحون: إن ثبت ذلك، فهو أخو يعلى ابن منية رواي الخبر، ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي، فإنه من رواية عطاء، عن صفوان بن يعلى ابن منية، عن أبيه. ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا.
قال: ووقع في شرح شيخنا سراج الدين ابن الملقّن: ما نصّه: هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد، إذ في "كتاب الشفا" للقاضي عياض عنه، قال: "أتيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وأنا متخلّقٌ، فقال:"ورس ورس حط حط، وغشيني بقضيب بيده في بطني، فأوجعني" الحديث. فقال شيخنا: لكن عمرو هذا لا يُدرك ذا، فإنه صاحب ابن وهب انتهى كلامه.
وهو معترض من وجهين:
أما أوّلاً: فليست هذه القصّة شبيهة بهذه القصّة، حتى يُفسّر صاحبها بها.
وأما ثانيًا: ففي الاستدراك غفلة عظيمة؛ لأن من يقول: أتيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يُتخيّل فيه أنه صاحب ابن وهب، صاحب مالك، بل إن ثبت فهو آخر، وافق اسمه اسمه، واسم أبيه اسم أبيه، والفرض أنه لم يثبت؛ لأنه انقلب على شيخنا، وإنما الذي في "الشفاء" سواد بن عمرو، وقيل: سوادة بن عمرو، أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في "مصنّفه"، والبغويّ في "معجم الصحابة".
وروى الطحاويّ من طريق أبي حفص بن عمرو، عن يعلى أنه مرّ على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو متخلّق، فقال:"ألك امرأة؟ "، قال: لا، قال:"اذهب فاغسله". فقد يَتَوهّم من لا خبرة له أن يعلي بن أميّة هو صاحب القصّة، وليس كذلك، فإن رواي هذا الحديث يعلي بن مرّة الثقفيّ، وهي قصّة أخرى، غير قصّة صاحب الإحرام.