نعم روى الطحاويّ في موضع آخر أن يعلي بن أميّة صاحبُ القصّة، قال: حدثنا سليمان بن شعيب، حدثنا عبد الرحمن هو ابن زياد الوضّاحيّ، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عطاء بن أبي رباح، أن رجلاً يقال له: يعلي بن أمية أحرم، وعليه جبّة، فأمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن ينزعها". قال قتادة: قلت لعطاء: إنما كنّا نرى أن نشقّها، فقال عطاء: إن اللَّه لا يُحبّ الفساد. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
(قَدْ أَحرَمَ فِي جُبَّةِ) يعني أنه لابسها، وفي رواية للبخاريّ: "وعليه جبّة". وفي الرواية الآتية ٤٤/ ٢٧٠٩ - من طريق عمرو، عن عطاء: "وعليه مقطّعات"، قال النووي: بفتح الطاء المشدّدة، وهي الثياب المخيطة. وقال في "النهاية": أي ثياب قصارٌ؛ لأنها قطعت عن بلوغ التمام. وقيل: المقطّع من الثياب: كلّ ما يفصل، ويُخاط من قميص، وغيره، وما لا يقطّع منها كالأزُر، والأردية انتهى.
(بِعُمْرَةٍ، مُتَضَمِّخٌ بطِيبٍ) بالضاد، والخاء المعجمتين: أي متلوّثٌ به، مكثرٌ منه، يقال: تضمّخ بالطيب: إَذا تلطّخ، وتلوّث به. وفي رواية عمرو: "وهو متضمّخٌ بخلوق". وفي الرواية الآتية من طريق قيس بن سعد، عن عطاء: "وهو مصفّرٌ لحيته، ورأسه". أي وهو بتشديد الفاء المكسورة، أي مستعملٌ للصفرة في لحيته، وتلك الصفرة هي الْخَلُوق (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ؟) زاد في رواية لمسلم: "بعد ما تضمّخ بطيب"، وفي رواية له: "عليه جبّة، وعليها خَلُوقٌ". وهو بفتح الخاء المعجمة: نوع من الطيب، يُعمل فيه زعفران (إِذْ أُنْزِلَ) وفي نسخة: "إذ نزل"، وفي أخرى: "يُنزل" (عَلَيْهِ الْوَحْيُ) أي حامله، وهو جبريل - عليه السلام - (فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يَغِطُّ) بفتح أوله، كسر الغين المعجمة، وتشديد الطاء المهملة: أي ينفخ. يقال: غطّ النائم يَغِطّ، من باب ضرب: إذا تردّد نَفَسه صاعدًا إلى حَلْقه، حتّى يسمعه مَنْ حولَه. أفاده في "المصباح". وفي رواية الشيخين: "فنظرت إليه، له غطيطٌ، قال: وأحسبه قال: كغطيط الْبَكْر". الغطيط: هو صوت النائم، أو المغمى عليه الذي يُردّده مع نفسه. و"البكر" -بفتح، فسكون-: هو الفَتِيّ من الإبل.
(لِذلِكَ) أي لنزول الوحي، وسببه هو شدّة الوحي، كما قال اللَّه تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل: ٥]. وثبت في "صحيح البخاريّ عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها قالت:"ولقد رأيته - صلى اللَّه عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيُفصَم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عرقًا"