للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَسُرِّيَ عَنْهُ) -بضمّ السين، وتشديد الراء، مبنيًّا للمفعول، أي أُزيل ما به، وكشف عنه شيئًا بعد شيء (فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي سَألَنِي آنِفًا؟ ") بالمدّ، والقصر، ككتف، وقرىء بهما قوله تعالى {قَالَ: آنِفًا} [سورة محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -: ١٦] أي مذ ساعة، أي في أوّل وقت يقرُبُ منّا. قاله في "القاموس" (فَأُتيَ بِالرَّجُلِ، فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (أمَّا الْجُبَّةُ فَاخْلَعْهَا) وفي رواية: "فانزعها"، أي اقلعها فورًا، وأخرجها (وَأَمَّا الطَّيبُ فَاغْسِلْهُ) وفي رواية الشيخين: "فاغسله ثلاث مرّات". قال القاضي عياض وغيره: يحتمل أنه من لفظ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فيكون نصًّا في تكرار الغسل. ويحتمل أنه من كلام الصحابيّ، وأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أعاد لفظ "اغسله" ثلاث مرّات على عادته أنه إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاث مرَّات لتُفهم انتهى.

وفي رواية للبخاريّ: قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرّات؟،

فقال: نعم. قال الحافظ: القائل هو ابن جريج، وهو دالّ على أنه فهم من السياق أن قوله: "ثلاث مرَّات" من لفظ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابيّ، وأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أعاد لفظة "اغسله" مرّة، ثم مرّة على عادته أنه كان إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ لتُفهم عنه. نبّه عليه عياضٌ انتهى.

وفي رواية أبي داود، والبيهقيّ: "أمره أن ينزعها نزعًا، ويغتسل مرَّتين، أو ثلاثاً".

قال النوويّ: إنما أمره بالثلاث مبالغة في إزالة لونه، وريحه، والواجب الإزالة، فإن حصلت بمرّة كفت، ولم تجب الزيادة، ولعلّ الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيّده قوله: "متضمّخٌ".

قال القاضي: ويحتمل أنه قال له ثلاث مرَّات: "اغسله"، فكرّر القول ثلاثًا. والصواب ما سبق. واللْه أعلم. انتهى كلام النوويّ (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: صوّب النوويّ كون "ثلاث مرات" من لفظ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو الحقّ، فعلى هذا ففي قوله: "فإن حصلت بمرة كفت، ولم تجب الزيادة" نظر لا يخفى، بل الظاهر لزوم الثلاث، عملاً بظاهر الأمر، فتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.

وفي رواية عمرو المذكورة: "ما كنت صائغًا في حجّك؟ "، قال: كنت أتّقي هذا، وأغسله، فقال: "ما كنت صائغًا في حجك، فاصنعه في عمرتك".

وهذا يدلّ على أن ذلك الرجل كان يعرف أعمال الحجّ قبل ذلك. قال ابن العربيّ: كأنهم كانوا في الجاهليّة يخلعون الثياب، ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجّوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن مجراهما واحد.


(١) - "شرح مسلم" ٨/ ٣٢٠.