للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن المنيّر في "الحاشية": قوله: "اصنع": معناه اترك؛ لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم، فيؤخذ منه فائدة حسنة، وهي أن الترك فعل. قال: وأما قول ابن بطّال: أراد الأدعية، وغيرها مما يشترك فيه الحجّ والعمرة، ففيه نظر؛ لأن التروك مشتركة، بخلاف الأعمال، فإن في الحجّ أشياء زائدة على العمرة، كالوقوف، وما بعده.

وقال النوويّ كما قال ابن بطّال، وزاد: ويستثنى من الأعمال ما يختصّ به الحجّ.

وقال الباجيّ: المأمور به غير نزع الثوب، وغسل الخلوق؛ لأنه صرّح له بهما، فلم يبق إلا الفدية. قال الحافظ: كذا قال، ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبيّن من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك أن عند مسلم، والنسائيّ من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، في هذا الحديث: فقال: "ما كنت صانعًا في حجك؟ "، قال: أنزع هذه الثياب، وأغسل عنّي هذا الخلوق، فقال: "ما كنت صانعًا في حجك، فاصنعه في عمرتك" انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي دلّت عليه هذه الرواية هو التفسير الصحيح لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك"؛ لأن هذه الرواية بينت الاختصار الواقع في الحديث، فما قاله كلّ من ابن المنيّر، وابن بطّال، والنوويّ، والباجيّ، من التفسير مبنيَّ على عدم انتباههم إلى هذه الرواية الموضحة للمراد من الحديث.

والحاصل أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - سأله عما كان يصنع في حجه بالنسبة للجبة، والخلوق، فكأنه قال له: ماذا تصنع إذا أحرمت بالحجّ، وعليك جبة، وخلوق؟، فقال أُبعدهما عنّي بالنزع، والغسل، فقال: "ما كنت صانعًا في حجك، فاصنعه في عمرتك"؛ أي لأنه لا فرق بينهما في هذا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(ثُمَّ أَحْدِثْ إِحْرَامًا") أمرٌ له بتجديد إحرامه بالعمرة، أي جدّد إحرامك بالعمرة، بعد أن تخلع الجبّة، وتغسل الطيب.

(قَالَ: أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ) النسائيّ -رحمه اللَّه تعالى- ("ثُمَّ أَحْدِثْ إِحْرَامًا مَا) وفي نسخة: "لا" (أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ، غيرَ نُوحِ بنِ حَبِيبٍ) يعني أن هذه الجملة مما تفرّد بها نوح ابن حبيب على غيره ممن روى الحديث عن يحيى بن سعيد.

فقوله: "ثم أحدِث إحرامًا" مبتدأ محكيّ لقصد لفظه، وجملة "ما أعلم الخ" خبره. و"غير" بالنصب بدلٌ من "أحدًا" (وَلَا أَحْسِبُهُ مَحْفُوظًا) أي لا أظنّ هذا الكلام محفوظًا عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.

غرض المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- بهذا الكلام إعلال الزيادة المذكورة بتفرّد نوح بن حبيب بها، فإن سائر الحافّاظ ما ذكروها. (وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ)، وهو المستعان،