وخبره قوله (لِمَنْ لَا يَجِدُ الإِزَارَ) يعني أنه يجوز لبس السراويل لمن لا يجد الإزار.
وقد أخذ بظاهره الإمامَ أحمد -رحمه اللَّه تعالى-، فجوّز لبس السراويل من غير قطع، وهو الأصحّ عند أكثر الشافعيّة، وهو الحقّ؛ لقوّة دليله، كما سيأتي في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى.
والمراد بعدم وجدان الإزار أن لا يقدر على تحصيله، إما لفقده في ذلك الموضع، أو لعدم بذل المالك إياه، أو لعجزه عن الثمن إن باعه، أو الأجرة إن آجره. وهكذا المراد في عدم وجدان النعلين.
(وَالْخُفَّيْنِ لِمَنْ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ) هكذا نسخ "المجتبى"، ووقع في "الكبرى":
"والخفّان" بالألف، وهوَ الظاهر؛ لأنه مبتدأ، خبره الجارّ والمجرور بعده. وما هنا يُخرّج على مذهب الكوفيين القائلين بجواز حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه على حاله من الجرّ، وقاسوه في الاختيار، وحكوا عن العرب: "أطعمونا لحمًا سمينًا، شاةٍ" بجر "شاة"، أي لحم شاة. ولا يجيزه البصريون إلا في الضرورة الشعريّة، كقوله:
الآكِلُ الْمَالَ الْيَتِيمِ بَطَرَا
أي مال اليتيم. قاله السيوطيّ في "همع الهوامع" (١).
وإنما كان هذا قليلاً لأن شرطه أن يكون معطوفًا على مماثل، كقوله:
أكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ امْرَءًا … وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ نَارًا
أي وكلّ نار.
وإلى هذا أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:
وَرُبَّمَا جَرُّوا الذِي أَبْقَوْا كَمَا … قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ … مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ
وقوله (لِلْمُحْرِمِ) متعلّق بمحذوف خبرِ لمبتدإ مقدّر، أي وهذا الحكم كائنٌ للمحرم.
ولفظ "الكبرى": "المحرم". أي يعني المحرم، كما بينته رواية مسلم بلفظ: "يعني المحرم".
يعني أن جواز لبس السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفّين لمن لم يجد النعلين للمحرم فقط، وأما غيره فلا يشترط في جواز لبسه ذلك عدم وجدان الإزرار، والنعلين، بل يجوز له اللبس مطلقًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
(١) - راجع "همع الهوامع" ٢/ ٤٣٠.