للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وآخرون -رحمهم اللَّه تعالى-.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه: عليه الفدية، كما إذا احتاج إلى حلق الرأس يحلقه، ويَفدِي. ذكره وليّ الدين (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الأولون هو الأرجح؛ عملاً بظاهر الحديث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): دلّ الحديث على أنه لا يجوز لبس الخفّين مقطوعين إلا عند فقد النعلين، وهو الأصحّ عند أصحاب الشافعيّ، وبه قال مالك، والليث، وكذا قال الحنابلة: لو لبس واجد النعل خفًّا مقطوعًا تحت الكتب لزمته الفدية.

وذهب بعض الشافعيّة إلى جواز لبسه مع وجودهما؛ لأنه صار في معناهما، وهو قول أبي حنيفة، أو بعض أصحابه، حكاه ابن عبد البرّ، وابن العربيّ عن أبي حنيفة، وحكاه المحبّ الطبريّ عن بعض أصحابه. وحكي عن أبي حنيفة نفسه موافقة مالك، والجمهور.

وقال ابن العربيّ: والذي أقول: إنه إن كشف الكتب لبسهما إن لم يجد نعلين، وإن وجد النعلين لم يجز لبسهما، حتى يكون كهيئة النعل لا يستران من ظاهر الرجل شيئًا انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذكره ابن العربيّ -رحمه اللَّه تعالى- تحقيق حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): هذا الحكم خاصّ بالرجل، أما المرأة فلها لبس الخفّين مطلقًا.

قال ابن المنذر: وبه قال كلّ من يُحفظ عنه من أهل العلم انتهى. لكن في "سنن أبي داود": أن ابن عمر كان يصنع ذلك -يعني يقطع الخفّين- للمرأة المحرمة، ثم حدّثته صفيّة بنت أبي عُبيد أن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - حدّثتها: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قد كان رخّص للنساء في الخفّين، فترك ذلك.

قال ابن عبد البرّ: لا يقول به أحد من أهل العلم فيما علمت، وهذا إنما كان من ورع ابن عمر، وكثرة اتباعه، فاستعمل ما حفظ على عمومه حتى بلغه فيه الخصوص انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) -"طرح التثريب" ٥/ ٥٢ - ٥٣.
(٢) - المصدر المذكور.