للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إحداهما: أن يحرم بالنسكين ابتداء. والثاني: أن يحرم بالعمرة، ثم يدخل عليها الحجّ، وقوده في رواية عبيد اللَّه بن عمر: "حتى أحلّ من الحجّ" صريح في أنه كان قارنًا، وقولها: "من عمرتك" أي العمرة المضمومة إلى الحجّ.

قال النوويّ في "شرح مسلم": هذا دليل للمذهب الصحيح المختار أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان قارنا في حجة الوداع انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

[تنبيه]: الذاهبون إلى الإفراد أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة:

(أحدها): أنها أرادت بالعمرة مطلق الإحرام. روى البيهقيّ بإسناده عن الشافعيّ أنه قال: فإن قيل: فما قول حفصة للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما شأن الناس حلّوا, ولم تحلل من عمرتك؟ ". قيل: أكثر الناس مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يكن معه هديٌ، وكانت حفصة معهم، فأمروا أن يجعلوا إحرامهم عمرة، ويحلّوا، فقالت: لم تحلل الناس، ولم تَحْلِل من عمرتك، يعني إحرامك الذي ابتدأته، وهم بنيّة واحدة -واللَّه أعلم- فقال: "لبْدت رأسي، وقلّت هديي، فلا أحلّ حتى أنحر بدني"، يعني -واللَّه أعلم- حتى يحلّ الحاجّ؛ لأن القضاء نزل عليه أن يجعل من كان معه هدي إحرامه حجًّا، وهذا من سعة لسان العرب الذي يكاد يعرف بالجواب فيه انتهى كلامه.

(ثانيها): أنها أرادت بالعمرة الحجّ؛ لأنهما يشتركان في كونهما قصدًا. (ثالثها): أنها ظنّت أنه معتمر. (رابعها): أن معنى قولها: "من عمرتك" أي لعمرتك بأن تفسخ حجّك إلى عمرة كما فعل غيرك. قال النوويّ في "شرح مسلم" بعد ذكره هذه الأجوبة: وكلّ هذا ضعيف، والصحيح ما سبق -يعني القرآن. ذكره وليّ الدين (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- حسن جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٦٨٣ - (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ, وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ, قِرَاءَةً عَلَيْهِ, وَأَنَا أَسْمَعُ -وَاللَّفْظُ لَهُ- عَنِ ابْنِ وَهْبٍ, أَخْبَرَنِي يُونُسُ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ سَالِمٍ, عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, يُهِلُّ مُلَبِّدًا").

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "يهلّ ملبّدًا" -بضمّ الياء، من الإهلال، وهو رفع الصوت بالتلبية. و"التلبيد" أن يُجعل في رأسه صمغًا، أو غيره ليتلبّد شعره، أي يلتصق بعضه ببعض، فلا يتخللَّه غبار، ولا يصيبه الشعث، ولا القمل، وإنما يفعله من يطول مكثه في الإحرام.


(١) -"شرح مسلم" ٨/ ٤٣٧.
(٢) - "طرح التثريب" ٥/ ٣٨ - ٣٩.