للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثور، وأصحاب الرأي. وحكاه الخطّابيّ عن أكثر الصحابة. وحكاه ابن عبد البرّ عن أبي سعيد الخدريّ، وعبد اللَّه بن جعفر، وعائشة، وأمّ حبيبة، وعروة بن الزبير، والقاسم ابن محمد، والشعبيّ، والنخعيّ، وخارجة بن زيد، ومحمد بن الحنفيّة، قال: واختُلف في ذلك عن الحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير. وقال به الثوريّ، والأوزاعيّ، وداود. وحكاه النوويّ عن جمهور العلماء من السلف والخلف، والمحدّثين، والفقهاء، وعدّ منهم غير من قدّمنا معاوية، وحكاه ابن قُدامة عن ابن جريج. قال ابن المنذر: وبه أقول.

وذهب مالك إلى منع أن يتطيّب قبل الإحرام بما تبقى رائحته بعده، لكنه قال: إن فعل فقد أساء، ولا فدية عليه. وحكى الشيخ أبو الظاهر قولاً بوجوب الفدية، وعلّله بأن بقاء الطيب كاستعماله. وقال محمد بن الحسن: يكره أن يتطيّب قبل الإحرام بما تبقى عينه بعده. وحكاه صاحب "الهداية" من الحنفيّة عن الشافعيّ، ولا يُعرف ذلك في مذهبه. وحكى ابن المنذر عن عطاء كراهة الطيب قبل الإحرام. وحكاه النوويّ عن الزهريّ. قال القاضي عياض: وحكي أيضًا عن جماعة من الصحابة، والتابعين.

وقال ابن عبد البرّ: وممن كره الطيب للمحرم قبل الإحرام عمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعبد اللَّه بن عمر، وعثمان بن أبي العاصي، وعطاء، وسالم بن عبد اللَّه، على اختلاف عنه، والزهريّ، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، على اختلاف عنهم. وهو اختيار أبي جعفر الطحاويّ؛ إلا أن مالكًا كان أخفّهم في ذلك قولاً، ذكر ابن عبد الحكم عنه، قال: وترك الطيب عند الإحرام أحبّ إلينا انتهى.

وقال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": والذي في "الصحيح" عن ابن عمر أنه قال: ما أحبّ أن أُصبح محرمًا أنضخ طيبًا"، وليس في هذا التصريح بالمنع منه انتهى.

وتأول هؤلاء حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا على أنه تطيّب، ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام، قالوا: ويؤيّد هذا قولها في الرواية الأخرى في "صحيح مسلم": "طيّبتُ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عند إحرامه، ثم طاف على نسائه، ثم أصبح محرمًا". فظاهره أنه إنما تطيّب لمباشرة نسائه، ثم زال بالغسل بعده، لا سيّما، وقد نُقل أنه كان يتطهّر من كلّ واحدة قبل الأخرى، فلا يبقى مع ذلك طيب، ويكون قولها: "ثم أصبح ينضخ طيبًا"، أي قبل غسله. وقد ثبت في رواية لمسلم أن ذلك الطيب كان ذَرِيرةً، وهي فُتاةُ قصب طيب، يُجاء به من الهند، وهي مما يذهبه الغسل. قالوا: وقولها: "كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو محرم"، المراد منه أثره، لا جرمه. هذا كلام المالكية.