للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ: ولا يوافق عليه، بل الصواب ما قاله الجمهور: إن الطيب مستحبّ للإحرام؛ لقولها: "طيبته لحرمه"، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام، لا للنساء، ويعضده قولها: "كأني انظر إلى وَبيص الطيب". والتأويل الذي قالوه غير مقبول لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه انتهى.

وقال ابن عبد البرّ على لسان الذاهبين إلى استحباب الطيب للإحرام: لا معنى لحديث ابن المنتشر -يعني الذي فيه: "ثم طاف على نسائه" - لأنه ليس ممن يعارض به هؤلاء الأئمة، لو كان ما كان في لفظه حجة؛ لأن قوله: "طاف على نسائه" يحتمل أن يكون طوافه لغير جماع؛ ليعلّمهنّ كيف يُحرمن، وكيف يعملن في حجّهنّ، أو لغير ذلك، والدليل على ذلك ما رواه منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: "كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد ثلاث، وهو محرم". قالوا: والصحيح في حديث ابن المنتشر ما رواه شعبة عنه، عن أبيه، عن عائشة، فقال فيه: "فيطوف على نسائه، ثم يصبح محرمًا، ينضخ طيبًا". قالوا: والنضخ في كلام العرب: اللطخ، والظهور، ومنه قوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: ٦٦] ذكر هذا كله وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-.

وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: واحتجّ المالكيّة بأمور:

(منها): أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - اغتسل بعد أن تطيّب، لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدّمة في "الغسل": "ثم طاف بنسائه، ثم أصبح محرمًا". فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يغتسل عند كلّ واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر. ويردّه قوله في الرواية الماضية أيضًا: "ثم أصبح محرمًا، ينضخ طيبًا"، فهو ظاهر في أن نضخ الطيب -وهو ظهور رائحته- كان في حال إحرامه. ودعوى بعضهم أن فيه تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: طاف على نسائه، ينضخ طيبًا، ثم أصبح محرمًا خلافُ الظاهر، ويردّه قوله في رواية الحسن بن عبيد اللَّه، عن إبراهيم عند مسلم: "كان إذا أراد أن يُحرم يتطيّب بأطيب ما يجد، ثم أراه في رأسه، ولحيته بعد ذلك". وللنسائيّ (١)، وابن حبّان: "رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث، وهو محرم".

وقال بعضهم: إن الوبيص كان بقايا الدهن المطيّب الذي تطيّب به، فزال، وبقي


(١) - سيأتي للمصنّف في ٤٢/ ٢٧٠٢ بلفظ: "لقد رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد ثلاث. وفي ٤٢/ ٢٧٠٣ "كنت أرى وبيص الطيب في مفرق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد ثلاث".