للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أفضت أبا عبد اللَّه؟ قال: لا، واللَّه يا رسول اللَّه، قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "انزع عنك القميص قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولِمَ يا رسول اللَّه؟، قال: "إن هذا يوم رُخَّصَ لكم، إذا أنتم رميتم الجمرة أن تَحِلُّوا -يعني من كلّ ما حُرِمتُم منه، إلا النساء، فإذا أمسيتم، قبل أن تطوفوا هذا البيت، صرتم حُرُمًا، كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، حتى تطوفوا به".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث صحيح، فإن رجاله كلهم، معرفون، قد أخرجوا لهم في الصحيح، فابن إسحاق من رجال البخاريّ، وأبو عبيدة روى عنه جماعة، وهو من رجال مسلم، والباقون لا يسأل عنهم، وابن إسحاق، وإن كان مدلّسًا، إلا أنه صرّح هنا بالتحديث، فزالت العلّة، فوجب القول به.

والذين لم يقولوا بهذا الحديث لم يتعلّقوا بشيء يُعتدُّ به، وغاية ما تعلّقوا به هو دعوى النسخ بالإجماع، وقد عرفت أن هذه الدعوى باطلة، حيث ثبت خلاف جماعة، كأبي قلابة، وابن الزبير، والحسن البصريّ، وعطاء، والثوريّ، على خلاف عن هؤلاء الثلاثة، فأين الإجماع المزعوم؟.

والحاصل أنه ليس لترك العمل بهذا الحديث عذرٌ مقبولٌ، فالحقّ أن من أمسى، قبل أن يطوف بالبيت عاد محرمًا، فيجب عليه أن لا يتلبّس بشيء من محظوراة الإحرام حتى يطوف بالبيت، كما قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لهذين الصحابيين: "صرتم حرمًا، كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، حتى تطوفوا بالبيت"، وهذا مما غفل عنه كثير من أهل العلم، فضلاً عن العوامّ، فينبغي إفشاؤه حتى يعلمه العوامّ، فيعملوا به. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): قال وليّ الدين: وإذا قلنا بقول الجمهور، فاختلف العلماء في كيفية ذلك التحلّل، فقال ابن حزم الظاهريّ: حلّ من كلّ وجه، وليس للحجّ إلا تحلّل واحد، فيباح له سائر المحرّمات على المحرم، إلا الجماع، فإنه مستمرّ التحريم إلى أن يطوف طواف الإفاضة، وليس ذلك لأنه بقي عليه شيء من إحرامه، بل انقضى إحرامه كلّه، ولكن الجماع محرّم على من هو في الحجّ، وإن لم يكن مُحْرِمًا.

وسبقه إلى ذلك الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين، من الشافعيّة، فقال: ليس للحجّ إلا تحلّل واحد، فإذا رمى جمرة العقبة زال إحرامه، وبقي حكمه حتى يحلق، ويطوف، كما أن الحاثض إذا انقطع دمها زال الحيض، وبقي حكمه، وهو تحريم وطئها، حتى تغتسل. حكاه عنه صاحبه القاضي أبو الطيّب، وقال: هذا غلطٌ؛ لأن الطواف أحد أركان الحجّ، فكيف يزول الإحرام، وبعض الأركان باق، وهذان القائلان، وإن اتفقا