على تحلّل واحد، فقد اختلفا في ذلك التحلّل، فقال الشيخ أبو حامد: هو بما سنحكيه بعد هذا عن الشافعيّة. وقال ابن حزم: هو دخول وقت الرمي بطلوع الشمس يوم النحر، فإذا دخل وقت الرمي حلّ المحرم، سواء رمى، أو لم يرم؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صحّ عنه جواز تقديم الطواف، والذبح، والرمي، والحلق بعضها على بعض، فإذا دخل وقتها بطل الإحرام، وإن لم يفعل شيئًا منها، وسبقه إلى ذلك أبو سعيد الإصطخريّ، من أئمّة الشافعيّة، فقال: إذا دخل وقت الرمي حصل التحلّل الأول، وإن لم يرم. وحكى صاحب "التقريب" وجهًا شاذًّا أنا إذا لم نجعل الحلق نسكًا حصل التحلّل الأول بمجرّد طلوع الفجر يوم النحر، وقائلا هذين القولين لا يوافقان ابن حزم على أن للحجّ تحلّلاً واحدًا، فمقالته مركّبة من أمرين، قال بكلّ منهما بعض الشافعيّة، ولا نعلم له سلفًا في مجموع مقالته. واللَّه أعلم.
وقال جمهور الفقهاء، من أصحاب المذاهب الأربعة: للحجّ تحلّلان، ثم اختلفوا في أمرين:
(أحدهما): فيما يحصل به التحلّل الأول، فقالت الشافعيّة: إن قلنا: إن الحلق نسك، وهو الصحيح المشهور، حصل التحلّل الأول بفعل أمرين من ثلاثة أمور: وهي رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه، إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل اثنين منها، أيّ اثنين كانا، حصل التحلّل الأول.
وإن قلنا: إن الحلق ليس نسكًا، حصل التحلّل الأول بواحد من الرمي، والطواف، فأيهما فعله أوّلاً حلّ التحلّل الأول، وعند أصحابنا يجوز تقديم بعض هذه الأمور على بعض، وترتيبها بتقديم الرمي، ثم الحلق، ثم الطواف (١) مستحبّ فقط، قالوا: ولو لم يرم جمرة العقبة حتى خرجت أيام التشريق فات الرمي، ولزمه دم، ويصير كأنه رمى بالنسبة لحصول التحلّل به، والأصحّ عند الرافعيّ، والنوويّ أنه يتوقّف تحلّله على الإتيان ببدله، لكن نصّ الشافعيّ على خلافه. وحكى الرافعيّ وجهًا شاذًّا أنه يحصل التحلّل الأول بالرمي وحده، أو الطواف وحده، ولو قلنا: الحلق نسك.
وقالت الحنابلة: يحصل التحلّل الأول بالرمي، والحلق. وقالت المالكيّة: للحجّ تحلّلان، يحصل أحدهما برمي جمرة العقبة، والآخر بطواف الإفاضة، ولو قدّم طواف الإفاضة على جمرة العقبة، قال مَالك، وابن القاسم: يجزئه، وعليه هدي. وعن مالك أيضًا: لا يجزئه، وهو كمن لم يُفِضْ. وقال أصبغ: أحبّ إليّ أن يعيد الإفاضة، وهو
(١) - رمز لها بعضهم بقوله: "رذحط"، الراء الرمي، والذال الذبح، والحاء الحلق، والطاء الطواف.