قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قول مالك، وابن القاسم المذكور مما لا يلتفت إليه؛ لمخالفته النصّ الصحيح الصريح، حيث إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - سئل عن تقديم بعض هذه الأفعال على بعضها، فقال:"افعل ولا حرج"، فكيف يقال: لا يجزئه، أو يجزئه، ولكن عليه هديّ، هذا شيء عجيب. واللَّه تعالى أعلم.
وقالت الحنفيّة: إن التحلّل الأول بالحلق خاصّة، دون الرمي، والطواف، فليسا من أسباب التحلّل، وفرقوا بأن التحلّل هو الجناية في غير أوانها، وذلك مختصّ بالحلق، وأما ذبح الهدي، فليس مما يتوقّف عليه التحلّل، إلا أن الحنفيّة، والحنابلة قالوا: إن المتمتع إذا كان معه هديٌ لا يحلّ من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وقد خالفهم الجمهور في ذلك.
وقال الترمذيّ في "جامعه" في الكلام على هذا الحديث: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وغيرهم، يرون أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر، وذبح، وحلق، أو قصر، فقد حلّ له كلّ شيء، حرم عليه إلا النساء، وهو قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق. قال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": فيه نظر من حيث إن المذكورين لا يتوقّف عندهم التحلّل الأول بالذبح، ثم حكى مقالة أبي حنيفة، وأحمد في المتمتّع الذي ساق الهدي، وقد تقدّمت انتهى.
وقال الإسنويّ في "المهمّات": اتفق الأصحاب على أنه لا مدخل للذبح في التحلّل.
قال وليّ الدين: يشكل على ذلك ما أجاب به أصحابنا من حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - في "الصحيح": من أحرم بعمرة، وأهدى، فلا يحلّ حتى ينحر هديه، فقالوا: تقديره: ومن أحرم بعمرة، وأهدى، فليهلّ بالحجّ، ولا يحلّ حتى ينحر هديه. قال: وممن ذكره النوويّ، وقال: ولا بدّ من هذا التأويل انتهى. ومقتضاه أن الحاجّ لا يحلّ حتى ينحر هديه.
وفي سنن الدارقطنيّ، والبيهقيّ، من حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا رميتم، وحلقتم، وذبحتم، فقد حلّ لكم كلّ شيء إلا النساء". لكنه حديث ضعيف، مداره على الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، ومع ذلك فاضطرب في إسناده، ولفظه، ورواه أبو داود بلفظ:"إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حلّ له كلّ شيء، إلا النساء". ومقتضى كلام النوويّ في "شرح المهذّب" أن في رواية أبي داود ذكر الحلق أيضًا, وليس كذلك.