للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الأمر الثاني): فيما يحلّ بالتحلّل الأول، وقد اتفق هؤلاء على أنه يحلّ به ما عدا الجماع، ومقدّماته، وعقد النكاح، والصيد، والطيب، وأجمعوا على أنه لا يحلّ الجماع، واختلفوا في بقيّة هذه الأمور:

فقال الشافعيّة يحلّ الصيد، والطيب، واختلفوا في عقد النكاح، والمباشرة فيما دون الفرج، وفيه قولان للشافعيّ، أصحّهما التحريم، كذا صححه النوويّ، ونقله عن الأكثرين، وذكر الرافعيّ أن القائلين به أكثر عددًا، وقولهم أوفق لظاهر النصّ في "المختصر"، لكنه صحّح في "الشرح الصغير" الحلّ، واقتضى كلامه في "المحرّر" التفصيل بين المسألتين، فصرّح بإباحة عقد النكاح بالأول، وجعل المباشرة داخلة فيما يحلّ بالثاني. وكلام الحنابلة موافق للمرجّح عندنا، وعبارة الشيخ مجد الدين ابن تيمية في "المحرّر": ثم قد حلّ من كلّ شيء، إلا النساء، وعنه يحلّ إلا الوطء في الفرج.

وكذا مذهب الحنفيّة، قال صاحب "الهداية": وقد حلّ له كلّ شيء، إلا النساء، ثم قال: ولا يحلّ الجماع فيما دون الفرج عندنا خلافًا للشافعيّ، فنصب الخلاف معه على أحد قوليه. وأما عقد النكاح فهو جائزٌ عندهم في الإحرام.

وقال المالكيّة: يستمرّ تحريم النساء، والصيد، والطيب، إلا أنهم أوجبوا في الصيد الجزاء، ولم يوجبوا في الطيب الفدية، كما تقدّم.

قال ابن حزم: وهذا عجيب، فإن احتجّوا بالأثر الوارد في تطييب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قبل أن يطوف بالبيت قلنا: لا يخلو هذا الأثر من أن يكون صحيحًا، ففرض عليكم ألا تخالفوه، وقد خالفتموه، أو غير صحيح، فلا تراعوه، وأوجبوا الفدية على من تطيّب، كما أوجبتموه على من تصيّد.

وقال ابن عبد البرّ: راعى مالك الاختلاف في هذه المسألة، فلم ير الفدية على من تطيّب بعد رمي جمرة العقبة، وقبل الإفاضة. وقال أبو العبّاس القرطبيّ: اعتذر أصحابنا عن هذا الحديث بادّعاء خصوصية النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك.

والجواب عنه: الأصل التشريع، وعدم التخصيص، والقول بالتخصيص يحتاج إلى دليل، وليس ثَمّ دليل على ذلك.

وقال ابن المنذر: اختلف أهل العلم فيما أبيح للحاجّ بعد رمي جمرة العقبة قبل الطواف بالبيت، فقال عبد اللَّه بن الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم بن عبد اللَّه، وطاوس، والنخعيّ، وعبد اللَّه بن حسن، وخارجة بن زيد، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يحلّ له كلّ شيء، إلا النساء. وروينا ذلك عن ابن عباس. وقال عمر بن الخطّاب، وابن عمر: يحلّ كلّ شيء، إلا النساء، والطيب.