من أصحابنا -يعني الشافعيّة- الْحَليمِيُّ، ورخّص فيه جماعة، والسنة أولى بالاتباع انتهى. واللَّه أعلم.
ورخّص مالك في المعصفر، والمزعفر في البيوت، وكرهه في المحافل.
وقال ابن بطّال -رحمه اللَّه تعالى-: أجاز مالك، وجماعة لباس الثوب المزعفر للحلال، وقالوا: إنما وقع النهي عنه للمحرم خاصّة. وحمله الشافعيّ، والكوفيّون على المحرم وغير المحرم.
وحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - في الصبغ يدلّ على الجواز، فإن فيه أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يصبغ بالصفرة. وأخرج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن جعفر، قال: رأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران. وفي سنده عبد اللَّه بن مصعب الزبيريّ، وفيه ضعف. وأخرج الطبرانيّ، من حديث أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها - أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صبغ إزاره، ورداءه بزعفران. وفيه راو مجهول. ومن المستغرب قول ابن العربيّ: لم يرد في الثوب الأصفر حديث، وقد ورد فيه عدّة أحاديث، كما ترى. قال المهلّب: الصفرة أبهج الألوان إلى النفس، وقد أشار إلى ذلك ابن عبّاس - رضي اللَّه عنه - في قوله تعالى:{صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}. قاله في "الفتح"(١).
وقال العلاّمة المباركفوريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تحفة الأحوذيّ": والحديث دليل لأبي حنفية، والشافعيّ، ومن تبعهما في تحريم استعمال الرجل الزعفران في ثوبه، وبدنه، ولهما أحاديث أخر صحيحة.
ومذهب المالكيّة أن الممنوع إنما هو استعماله في البدن، دون الثوب. ودليلهم ما أخرجه أبو داود، عن أبي موسى، مرفوعًا:"لا يقبل اللَّه صلاة رجل في جسده شيء من خلوق". فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد.
وأجيب عن حديث أبي موسى هذا بأن في سنده أبا جعفر الرازيّ، وهو متكلّم فيه، وأحاديث النهي عن التزعفر مطلقًا أصحّ، وأرجح.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وأيضًا على تقدير صحّته، فاستدلالهم بالمفهوم، وأحاديث النهي منطوقة، فتقدّم عليه. واللَّه أعلم.
قال: فإن قلت: قد ثبت في "الصحيحين" من حديث أنس - رضي اللَّه عنه - أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبه أثر صفرة، فسأله رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأخبره أنه تزوّج امرأة … الحديث، وفي رواية:"وعليه ردع زعفران"، فهذا الحديث يدلّ على جواز