التزعفر، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يُنكر على عبد الرحمن بن عوف، فكيف التوفيق بين حديث أنس هذا، وبين حديثه المذكور في الباب، وما في معناه؟.
قلت: أشار البخاريّ إلى الجمع بأن حديث عبد الرحمن للمتزوّج، وأحاديث النهي لغير المتزوّج، حيث ترجم بقوله:"باب الصفرة للمتزوّج".
وقال الحافظ: إن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلّقت به من جهة زوجته، فكان ذلك غير مقصود له، قال: ورجّحه النوويّ. وأجيب عن حديث عبد الرحمن بوجوه أخرى ذكرها الحافظ في "الفتح" في "باب الوليمة ولو بشاة"، من "كتاب النكاح".
فإن قلت: روى الشيخان عن ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: أن رجلا قال: يا رسول اللَّه ما يلبس المحرم من الثياب؟، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يلبس القمص … الحديث، وفيه: ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسّه زعفران، أو ورس".
فيستفاد من ظاهر هذا الحديث جواز لبس المزعفر لغير الرجل المحرم؛ لأنه قال ذلك في جواب السؤال عما يلبس المحرم، فدلّ على جوازه لغيره.
قلت: قال العراقيّ: الجمع بين الحديثين أنه يُحتمل أن يقال: إن جواب سؤالهم انتهى عند قوله: "أسفل من الكعبين"، ثم استأنف بهذا, ولا تعلّق له بالمسؤول عنه، فقال:"ولا تلبسوا شيئًا من الثياب إلى آخره" انتهى.
قال المباركفوريّ: والأولى في الجواب أن يقال: إن الجواز للحلال مستفاد من حديث ابن عمر بالمفهوم، والنهي ثابت من حديث أنس بالمنطوق، وقد تقرّر أن المنطوق مقدّم على المفهوم.
فإن قلت: روى النسائيّ من طريق عبد اللَّه بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -، كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له؟، فقال: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يصبغ. قلت: عبد اللَّه بن زيد صدوق، فيه لين، وأصله في "الصحيح"، وليس فيه ذكر الصفرة انتهى كلام المباركفوريّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بتحريم المزعفر للرجل، محرمًا، أو غير محرم، هو الأرجح عندي؛ لحديث أنس - رضي اللَّه تعالى عنه - المذكور في الباب، فإنه نصّ في ذلك، وكذلك حديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه تعالى عنهما - المتقدّم، فإنه ظاهر فيه، حيث أمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بحرقه بالنار، ولم يسمح له في غسله، فلو جاز لبسه لما شدّد عليه مثل هذا التشديد، وكذلك حديث عليّ - رضي اللَّه عنه -: "نهاني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن