للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: "أن رجلاً" قال الحافظ: لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور. وقد وهم بعض المتأخّرين، فزعم أن اسمه واقد بن عبد اللَّه، وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر، من كتاب المغازي، وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر، ذكر أولاده، ومنهم عبد اللَّه بن عمر، ثم ذكر أولاد عبد اللَّه بن عمر، فذكر فيهم واقد بن عبد اللَّه بن عمر، فقال: وقع عن بعيره، وهو محرم، فهلك، فظنّ هذا المتأخّر أن لواقد بن عبد اللَّه بن عمر صحبة، وأنه صاحب القصّة التي وقعت في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وليس كما ظنّ، فإن واقدًا المذكور لا صحبة له، فإن أمه صفيّة بنت أبي عُبيد، إنما تزوّجها أبوه في خلافة أبيه عمر، واختُلف في صحبتها. وذكره العجليّ، وغيره في التابعين، ووجدت في الصحابة واقد بن عبد اللَّه آخر، لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره، فهلك، بل ذكر غير واحد، منهم ابن سعد أنه مات في خلافة عمر، فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد اللَّه من كلّ وجه انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

وقوله: "وقع عن راحلته" كان وقوعه عند الصخرات من عرفة. وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب. كما قاله في "الفتح".

وقوله: "فأقعصته": أي قتلته الراحلة قتلاً سريعًا، يقال: قعصه، كمنعه: قتله مكانه، كأقعصه. قاله في "القاموس".

وقوله: "اغسلوه بماء وسدر" فيه جواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يُعدّ طيبًا. وحكى المزنيّ عن الشافعيّ أنه استدلّ على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث، لقوله فيه: "واغسلوه بماء وسدر" واللَّه أعلم. قاله في "الفتح".

وقوله: "خارجًا رأسه، ووجهه" هذا هو محلّ الترجمة, لأنه يدلّ على تحريم تغطية وجه المحرم، وليس الميت خاصًّا بهذا، بل هو عامٌ لكلّ محرم.

قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: قيل: كشف الوجه ليس لمراعاة الإحرام، وإنما هو لصيانة الرأس من التغطية. كذا ذكره النوويّ، وزعم أن هذا التأويل لازم عند الكل.

قال السنديّ: ظاهر الحديث يفيد أن المحرم يجب عليه كشف وجهه أيضًا، وأن الأمر بكشف وجه الميت لمراعاة الإحرام. نعم من لا يقول بمراعاة إحرام الميت يحمل الحديث على الخصوص، ولا يلزم منه أن يؤول الحديث، كما قال النوويّ. واللَّه أعلم.


(١) - "فتح" ٤/ ٥٣٢.