للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: دعوى الخصوصية مما لا دليل عليها، فالحقّ أنه عام لكلّ ميت، أنه يبعث محرمًا ملبيًا، كما دلّ عليه صريح هذا الحديث. واللَّه تعالى

أعلم.

وقوله: "يبعث يوم القيامة ملبيّا" أي على هيئته التي مات عليها، ومعه علامة لحجه، وهي دلالة لفضيلته، كما يجيىء الشهيد يوم القيامة، وأوداجه تشخب دمًا. قاله النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: واستدلّ بذلك على بقاء إحرامه؛ خلافًا للمالكيّة، والحنفيّة، وقد تمسّكوا من هذا الحديث بلفظة اختُلف في ثبوتها، وهي قوله: "ولا تخمّروا وجهه"، فقالوا: لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرمًا. وأما الجمهور، فأخذوا بظاهر الحديث، وقالوا: إن في ثبوت ذكر الوجه مقالاً، وتردّد ابن المنذر في صحّته. وقال البيهقيّ: ذكر الوجه غريبٌ، وهو وَهَمٌ من بعض رواته.

وفي كلّ ذلك نظر، فإن الحديث ظاهره الصحّة، ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل، عن منصور، وأبي الزبير، كلاهما عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، فذكر الحديث، قال منصور: "ولا تغطوا وجهه". وقال أبو الزبير: "ولا تكشفوا وجهه". وأخرجه النسائيّ، من طريق عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير بلفظ: "ولا يُمسّ طيبًا خارج رأسه"، قال شعبة: ثم حدثني به بعد ذلك، فقال: "خارج رأسه ووجهه" انتهى. وهذه الرواية تتعلق بالتطيب، لا بالكشف، والتغطية، وشعبة أحفظ من كلّ من روى هذا الحديث، فلعلّ بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية.

وقال أهل الظاهر: يجوز للمحرم الحيّ تغطية وجهه، ولا يجوز للمحرم الذي يموت، عملاً بالظاهر في الموضعين.

وقال آخرون: هي واقعة عين، لا عموم لها؛ لأنه علّل ذلك بقوله: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا"، وهذا الأمر لا يتحقّق وجوده في غيره، فيكون خاصًّا بذلك الرجل، ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأَمَرَ بقضاء مناسكه.

وقال أبو الحسن ابن القصّار: لو أريد تعميم هذا الحكم في كلّ محرم لقال: "فإن المحرم"، كما جاء: "أن الشهيد يبعث، وجرحه يثعب دمًا".

وأجيب بأن ظاهر الحديث ظاهر في أن العلّة في الأمر المذكور كونه كان في النسك، وهي عامة في كلّ محرم، والأصل أن كلّ ما ثبت لواحد في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ثبت لغيره،