"وكفّنوه في ثوبين، ثم قال على أثره: خارجًا رأسه، قال: ولا تمسّوه طيبًا، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا، قال شعبة: فسألته بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان يجيء به إلا أنه قال: ولا تخمّروا وجهه ورأسه". أخرجه من طريق خالد: حدّثنا شعبة به.
وأخرجه ابن حبّان في "صحيحه" من طريق أبي أسامة، عن شعبة بهذا اللفظ: "ولا تخمّروا وجهه ورأسه" كما في "الجوهر النقي". ثم أخرجه النسائيّ -١٠٠/ ٢٨٥٧ - من طريق خلف بن خليفة، عن أبي بشر بلفظ: "ولا يغطّى رأسه ووجهه". وإسناده على شرط مسلم، إلا أن خلفًا هذا كان اختلط في الآخر، ومن طريقه رواه ابن حزم في "حجة الوداع"، كما في "الجوهر النقي"، وعزاه إليه وحده، وهو قصور.
وأما قول الحافظ في "الفتح" ٤/ ٤٧ بعد أن ذكر رواية شعبة هذه من طريق مسلم: "وهذه الرواية تتعلّق بالتطيب، لا بالكشف والتغطية، وشعبة أحفظ كلّ من روى هذا الحديث، فلعلّ بعض رواته انتقل ذهنه من التطيّب إلى التغطية".
قلت: وهذا من الحافظ أمر عجيب، فإن الطرق كلها تدلّ أن الرواية إنما تتعلّق بالكشف، لا بالتطيب، على خلاف ما حملها عليه الحافظ، وإنما غرّه رواية مسلم، وفيها تقديم، وتأخير، كما دلّ على ذلك رواية النسائيّ وغيره، فقوله: "خارج رأسه" عند مسلم جملة حالية لقوله: "وأن يكفّن في ثوبين"، لا لقوله: "ولا يمسّ طيبًا" كما توهّم الحافظ، ويؤيّد ذلك رواية شعبة نفسه فضلاً عن غيره: "ولا تخمّروا وجهه ورأسه"، فإنها صريحة فيما ذكرنا.
وجملة القول أن زيادة الوجه في الحديث ثابتة محفوظة عن سعيد بن جبير من طرق عنه، فيجب على الشافعيّة أن يأخذوا بها كما أخذ بها الإمام أحمد في رواية عنه، كما يجب على الحنفيّة أن يأخذوا بالحديث، ولا يتأوله بالتأويلات البعيدة توفيقًا بينه وبين مذهب إمامهم انتهى كلام الشيخ الألباني، وهو تحقيقٌ نفيس جدًّا.
والحاصل أن زيادة "وجهه"صحيحة، فيجب العمل بها، فيحرم على المحرم تغطية وجهه، ورأسه، كما هو ظاهر مذهب المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٢٧١٤ - (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ -يَعْنِي الْحَفَرِيَّ- عَنْ سُفْيَانَ, عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ, فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثِيَابِهِ, وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ, وَرَأْسَهُ, فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح "عبدة بن