للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أصحابه. زاد بعض أتباعه: ومن أراد أن ينشىء لعمرته من بلده سفرًا فالإفراد أفضل له. قال: وهذا أعدل المذاهب، وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة, فمن قال: الإفراد أفضل فعلى هذا؛ لأن أعمال سفرين للنسكين أكثر مشقّة، فيكون أعظم أجرًا, ولتُجزيء عنه عمرته من غير نقص، ولا اختلاف انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح لديّ بعد النظر في هذه الأقوال، وأدلتها أن القرآن أفضل لمن ساق الهدي موافقة لفعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والتمتع أفضل لمن لم يسق الهدي عملاً بأمر النبيّء - صلى اللَّه عليه وسلم - أصحابه الكرام - رضي اللَّه تعالى عنهم -.

وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى-، فإنه قال: وأما إذا أراد أن يجمع بين النسكين بسفرة واحدة، ويسوق الهدي، فالقران أفضل، اقتداء برسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، حيث قرن، وساق الهدي.

وقال في تفضيل التمتع لمن لم يسق الهدي: فإن أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الذين حجوا معه، ولم يسوقوا الهدي أمرهم جميعهم أن يحجوا هكذا، أمرهم إذا طافوا بالبيت، وبين الصفا والمروة أن يحفوا من إحرامهم، ويجعلوها متعة، قال: ومعلوم أنهم أفضل الأمة بعده، ولا حجة تكون أفضل من حجة أفضل الأمة، مع أفضل الخلق بأمره، فكيف يكون حج من حج مفردًا، واعتمر عقب ذلك، أو قارنا, ولم يسق الهدي أفضل من حج هؤلاء معه بأمره.

قال: ويقال في الجواب عن الحديث: "لو استقبلت … ": إنه لم يقل هذا لأجل أن الذي فعله مفضول، بل لأن أصحابه شقّ عليهم أن يحلّوا من إحرامهم مع بقائه محرمًا، فكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أُمروا به عن انشراح، أو موافقة. قال: وقد ينتقل من الأفضل للمفضول لما فيه من الموافقة، وائتلاف القلوب.

قال: وعلى هذا التقدير يكون اللَّه قد جمع له بين أن فعل الأفضل، وبين أن أعطاه بما يراه من الموافقة لهم ما في ذلك من الفضل، فاجتمع له الأجران، وهذا هو اللائق بحاله - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى المقصود من كلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى- بتصرّف (٢)، وهو كلام نفيس جدًّا.

والحاصل أن من ساق الهدي فالقران له أفضل، ومن لم يسق الهدي فالتمتّع له أفضل. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) - "فتح" ٤/ ٢١٧ - ٢١٨.
(٢) - راجع "مجموع الفتاوى" ٢٦/ ٨٦ - ٩١.