للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضي اللَّه عنهما -، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "تمتّع" هو محمول على التمتّع اللغويّ، وهو القران، ومعناه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحرم أوّلاً بالحجّ مفردًا، ثم أحرم بالعمرة، فصار قارنًا في آخر أمره، والقارن هو متمتّع من حيث اللغة، ومن حيث المعنى؛ لأنه ترفّهَ باتحاد الميقات، والإحرام، والفعل. ويتعيّن هذا التأويل هنا؛ لما قدمناه في الأبواب السابقة من الجمع بين الأحاديث في ذلك، وممن روى إفراد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ابن عمر الراوي هنا، وقد ذكره مسلم بعد هذا انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا الذي رُوي هنا عن ابن عمر من أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - تمتّع مخالف لما جاء عنه في الرواية الأخرى من أنه أفرد بالحجّ، واضطراب قوليه يدلّ على أنه لم يكن عنده من تحقيق الأمر ما كان عند من جزم بالأمر، كما فعل أنسٌ على ما تقدّم، حيث قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "لبيك بحجة وعمرة".

ثم اعلم أن كلّ الرواة الذين رووا إحرام النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ليس منهم من قال: إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حلّ من إحرامه ذلك حتى فرغ من عمل الحجّ، وإن كان قد أطلق عليه لفظ التمتع، بل قد قال ابن عمر في هذا الحديث: إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - بدأ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ، ولم يقل: إنه حلَّ من عمرته، بل قال في آخر الحديث بعد أن فرغ من طواف القدوم، أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يَحلُل من شيء حَرُمَ عليه حتى قضى حجّه. وهذا نصّ في أنه لم يكن متمتّعًا، فتعيّن تأويل قوله: تمتّع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فيحتمل أن يكون معناه: قَرَنَ؛ لأن القارن يترفّه بإسقاط أحد العملين، وهذا الذي يدلّ عليه قوله بعد هذا، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ. ويحتمل أن يكون معناه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا أذن في التمتّع أضافه إليه، وفيه بُعدٌ انتهى كلام القرطبيّ (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "تمتّع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الخ". قال المهلّب: معناه أمر بذلك؛ لأنه كان ينكر على أنس قوله: إنه قرن، ويقول: بل كان مفردًا. وأما قوله: "وبدأ فأهلّ بالعمرة"، فمعناه أمرهم بالتمتع، وهو أن يُهلّوا بالعمرة أوّلاً، ويقدّموها قبل الحجّ، قال: ولا بدّ من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر.

قال الحافظ: لم يتعيّن هذا التأويل المتعسّف، وقد قال ابن المنيّر في "الحاشية": إنّ حَمْلَ قوله: "تمتع" على معنى أَمَرَ من أبعد التأويلات، والاستشهاد عليه بقوله: "رجم"، وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات؛ لأن الرجم من وظيفة الإمام، والذي يتولاّه إنما يتولاّه نيابة عنه، وأما أعمال الحجّ، من إفراد، وقران، وتمتّع، فإنه


(١) - "شرح مسلم للنوويّ" ٨/ ٤٣٤.
(٢) - "المفهم" ٣/ ٣٥٢.