للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وظيفة كلّ أحد عن نفسه. ثم أجاز تاويلاً آخر، وهو أن الراوي عَهِد أنّ الناس لا يفعلون إلا كفعله، لا سيما مع قوله: "خذوا عني مناسككم"، فلما تحقّق أن الناس تمتّعوا ظنّ أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - تمتّع، فأطلق ذلك.

قال الحافظ: ولم يتعين هذا أيضًا، بل يحتمل أن يكون معنى قوله: "تمتع" محمولاً على مدلوله اللغويّ، وهو الانتفاع لاسقاط عمل العمرة، والخروج إلى ميقاتها، وغيرها، بل قال النوويّ: إن هذا هو المتعيّن. قال: وقوله: "بالعمرة إلى الحجّ"، أي بإدخال العمرة على الحجّ، وقد قدّمنا في "باب التمتّع والقران" تقرير هذا التأويل.

وإنما المشكل هنا قوله: "بدأ، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحجّ"؛ لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقرّ كما تقدّم على أنه بدأ أوّلاً بالحجّ، ثم أدخل عليه العمرة، وهذا بالعكس.

وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال، أي لما أدخل العمرة على الحجّ لبّى بهما، فقال: "لبيك بعمرة، وحجة معًا".

وهذا مطابق لحديث أنس - رضي اللَّه عنه - المتقدّم، لكن قد أنكر ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - ذلك على أنس، فيحتمل أن يُحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - جمع بينهما، أي في ابتداء الأمر. وُيعيّن هذا التأويل قوله في نفس الحديث: "وتمتّع الناس الخ"، فإن الذين تمتّعوا إنما بدؤوا بالحجّ، لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلّوا بعد ذلك بمكة، ثم حجّوا من عامهم انتهى كلام الحافظ (١).

وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: اعلم: أن التمتّع عند الصحابة كان شاملاً للقران أيضًا، وإطلاقه على ما يقابل القرآان اصطلاح حادث، وقد جاء أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان قارنًا، فالوجه أن يراد بالتمتع ههنا في شأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - القران؛ توفيقًا بين الأحاديث. والمعنى انتفع بالعمرة إلى أن حجّ، مع الجمع بينهما في الإحرام. ومعنى قوله: "بدأ بالعمرة" أنه قدّم العمرة ذكراً في التلبية، فقال: "لبيك عمرةً وحجًّا" انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- تحقيق نفيس جدًّا، وهو خلاصة ما تقدّم في كلام العلماء الذين ذكرنا قولهم آنفًا. واللَّه تعالى أعلم.

(فِي حَجَّةِ الْوَدَاع، بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجَّ) أي بإدخال العمرة على الحجّ، حيث بدأ بالحجّ، ثم أدخل عليه العمرَة، فصار قارنًا، فـ"إلى" بمعنى "على" (وَأَهْدَى، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ) من عطف المبين على المبيّن (بِذِي الْحُلَيْفَةِ) هكذا نسخ "المجتبى" "بذي الحليفة" بالباء، ولفظ "الكبرى": "من ذي الحليفة"، وهو الذي في "الصحيحين"، وهو واضح، ولما في "المجتبى" أيضًا وجه صحيح، وهو أن الباء فيه بمعنى "من"، كما قول الشاعر:


(١) - "فتح" ٤/ ٣٥٨ - ٣٥٩.