للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ … مَتَى لُجَجٍ (١) خُضْرٍ لَهُنّ نَئِيجُ

وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت، ومن الأماكن البعيدة. قال الحافظ: وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس انتهى.

(وَبَدَأ) بالهمزة، وفي بعض النسخ: "وبدا" بالألف، وهو مخفّف "ابدأ" (رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَأَهَلّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بالْحَجِّ) قد تقدّم قريبًا أن معناه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - في أثناء تلبيته بدأ بالعمرة، ثم أتبعها الحجّ، فقَال: "لبيك عمرة، وحجا"، لا أنه أول ما أحرم أحرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحجّ، فإن هذا خلاف الأحاديث الصحيحة الكثيرة، كما تقدّم، فيتعيّن تأويله هكذا.

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: هو محمول على التلبية في أثناء الإحرام، وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة، ثم أحرم بحجّ؛ لأنه يفضي إلى مخالفة الأحاديث السابقة، وقد سبق بيان الجمع بين الروايات، فوجب تأويل هذا على موافقتها، ويؤيّد هذا التأويل قوله: "تمتع الناس مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالعمرة إلى الحجّ، ومعلوم أن كثيرًا منهم، أو أكثرهم أحرموا بالحجّ أوّلاً مفردًا، وإنما فسخوه إلى العمرة آخرًا، فصاروا متمتعين، فقوله: "وتمتع الناس" يعني في آخر الأمر. انتهى كلام النوويّ (٢).

(وَتَمَتَعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بِالعُمرَةِ إِلَى الْحَجِّ) معنى تمتّع الناس كما سبق قريبًا أنهم بدءوا بالحجّ، ثم فسخوه بعمل العمرة، فتحلّلوا (فَكَانَ مِنَ النّّاس مَنْ أَهْدَى) أي قدّم الهدي (فَسَاق الْهَدْيَ) من عطف التفسير على المفسّر (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مَكَّةَ) أي قارب دخول مكة؛ لأنه قد جاء أنه قال لهم ذلك بسرف (قَال لِلنَّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى) أي سواء كان قارنا، أو معتمرًا، وبهذا أخذ الحنفيّة، والحنبلية، فإن عندهم أن من اعتمر، وأهدى لا يتحلل حتى ينحر هديه يوم النحر، وهو المذهب الصحيح المختار؛ لظواهر الأحاديث.

قال في "الفتح": واستدلّ به على أن من اعتمر، فساق هديًا، لا يتحلّل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وقد تقدّم حديث حفصة، نحوه، ويأتي حديث عائشة من طريق عُقيل، عن الزهريّ، عن عروة، عنها بلفظ: "من أحرم بعمرة، فأهدى، فلا يحلّ حتى ينحر".

وتأول ذلك المالكيّة، والشافعيّة على أن معناه: ومن أحرم بعمرة، وأهدى، فليُهلّ بالحجّ، ولا يحلّ حتى ينحر هديه. ولا يخفى ما فيه، فإنه خلاف ظاهر الأحاديث المذكورة. انتهى (٣).

(فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ) تقدّم ضبطه بضم أوله، من الإحلال، وفتحه، من الحِلِّ (مِن شَيْءٍ


(١) أي من لُجَجٍ.
(٢) - "شرح مسلم" ٨/ ٤٣٥.
(٣) - "فتح" ٤/ ٢٢٠.