(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) المراد لم يجده هناك، إما لعدم الهدي، وإما لعدم ثمنه، وإما لكونه يباع بأكثر من ثمن المثل، وإما لكونه موجودًا، لكنه لا يبيعه صاحبه، ففي كلّ هذه الصور يكون عادمًا للهدي، فينتقل إلى الصوم، سواء كان واجدًا لثمنه في بلده، أم لا.
(فَلْيَصُمْ ثَلَاَثةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) أي بعد إحرامه بالحجّ. قال النوويّ: هذا هو الأفضل، فإن صامها قبل الإهلال بالحجّ أجزأه على الصحيح. وأما قبل التحلّل من العمرة فلا، على الصحيح. قاله مالك، وجوّزه الثوريّ، وأصحاب الرأي، وعلى الأول، فمن استحبّ صيام عرفة بعرفة قال: يُحرم يوم السابع ليصوم السابع، والثامن، والتاسع، وإلا فيُحرم وم السادس؛ ليفطر بعرفة، فإن فاته الصوم قضاه. وقيل: يسقط، ويستقرّ الهدي في ذمته، وهو قول الحنفية. وفي صوم أيام التشريق لهذا قولان للشافعية، أظهرهما لا يجوز. قال النوويّ: وأصحهما من حيث الدليل الجواز انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بالجواز هو الحقّ؛ لما أخرجه البخاريّ من حديث عائشة، وابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهم -، قالا:"لم يُرخّص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي".
وأخرج عن ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - أيضًا، قال:"الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحجّ إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديًا, ولم يصم صام أيام منّى". وعن عائشة مثله. والراجح أن مثل هذا له حكم الرفع، كما هو مقرّر في محله. واللَّه تعالى أعلم.
وقال القرطبّي -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "فليصم ثلاثة أيام في الحجّ". ذهب مالك، والشافعيّ إلى أن ذلك لا يكون إلا بعد الإحرام بالحجّ، وهو مقتضى الآية والحديث.
وقال أبو حنيفة، والثوريّ: يصحّ صوم الثلاثة الأيام بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الإحرام بالحجّ، ولا يصومها بعد أيام الحجّ، وهو مخالف لنصّ الكتاب والسنّة. والاختيار عندنا تقديم صومها في أول أيام الإحرام، وآخر وقتها آخر أيام التشريق عندنا، وعند الشافعيّ، فمن فاته صومها في هذه الأيام صامها عندنا بعدُ. وقال أبو حنيفة: آخر وقتها يوم عرفة، فمن لم يصمها إلى يوم عرفة، فلا صيام عليه، ووجب عليه الهدي، وقال مثله الثوريّ، إذا ترك صيامها أيام الحجّ، وللشافعيّ قولٌ كقول أبي حنيفة انتهى كلام القرطبيّ (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه مالك، والشافعيّ -رحمهما اللَّه تعالى-