للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لابن شهاب (أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) -رَحِمَهُ اللَّهُ- (وَالضحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ) بن خالد بن وهب الفهريّ، أبا أنيس الأمير المشهور، "صحابيّ صغير، قُتل - رضي اللَّه تعالى عنه - في وقعة مرج راهط سنة (٦٤) تقدّمت ترجمته في ١٠٠/ ٢٠٣٢ (عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ) - رضي اللَّه تعالى عنهما -. وذكر أبو جعفر الطحاويّ -رحمه اللَّه تعالى- أن أول حجة حجها معاوية بعد أن استُخلف كانت في سنة أربع وأربعين، وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين. قاله في "الفتح" (١) (وَهُمَا) أي سعد، والضحاك (يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجَّ) أي يذكران حكمه، وجملة "وهما يذكران الخ" في محلّ نصب على الحال من فاعل "سمع" (فَقَالَ: الضَّحَّاكُ) بن قيس - رضي اللَّه عنه - (لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ) أي التمتع المذكور (إِلاَّ مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أي حكمه، وشرعه؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، فأمره بالإتمام يقتضي استمرار الإحرام، إلى فراغ الحجّ، ومنع التحلّل، والتمتّعُ فيه تحلّل. ويحتمل أنه قال ذلك اعتمادًا على نهي عمر - رضي اللَّه عنه -، حيث إنه لا ينهى إلا عن غير المشروع، ويؤيد هذ قوله: "فإن عمر قد نهى عن ذلك" (فَقَالَ: سَعْدٌ) بن أبي قّاص - رضي اللَّه عنه - (بِئْسَمَا قُلْتَ، يَا ابْنَ أَخِي) ناداه به تلطّفًا، وترقّقًا (قَالَ الضَّحَّاكُ) - رضي اللَّه عنه - ذاكرًا حجته على ما قال (فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (نَهَى عَنْ ذَلِكَ) أي ونهيه لا يكون إلا عن خلاف السنّة، وخلاف حكم الشرع.

قال الباجيّ: إنما نهى عنه لأنه رأى الإفراد أفضل منها, ولم ينه عنه تحريمًا. وقال عياض: إنه نهى عن الفسخ، ولهذا كان يضرب الناس عليها، كما في "مسلم"، بناء على معتقده أن الفسخ خاصّ بتلك السنة. وقال النوويّ: والمختار أن عمر، وعثمان، وغيرهما إنما نهوا عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحجّ، ثم الحجّ في عامه، وهو على التنزيه للترغيب، ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة، وبقي الخلاف في الأفضل انتهى.

(قَالَ: سَعْدٌ) - رضي اللَّه عنه - (قَدْ صَنَعَهَا) أي المتعة، فتأنيث الضمير مع أنه يعود إلى "التمتع" بتأويله بالمتعة (رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أراد بذلك التمتّع الذي هو القرآن؛ إذ التمتّع يطلق على القران، كما سبق، وقد صحّ أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان قارنًا، لا متمتعًا (وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ) أي تمتعنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، والتمتّع الذي كان للصحابة فهو التمتع الحقيقيّ، لمن لم يسق الهدي، وأما من ساق الهدي، فالتمتع في حقّه هو التمتع بمعنى القران، كما سبق. وأراد سعد - رضي اللَّه تعالى عنه - بذلك أن التمتع مما ثبت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قولاً، وفعلاً، فلا


(١) - راجع "الفتح" ٤/ ٧٧٣. في "كتاب الصوم".