للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المشهور - رضي اللَّه عنه - (لابْنِ عَبَّاسٍ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (أَعَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ) بتشديد الصاد، من التقصير. وفي نسخة: "قد قصرت" بزيادة "قد" (مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي أخذت من شعر رأسه - صلى اللَّه عليه وسلم - (عِنْدَ الْمَرْوَةِ) أي عند المكان المعروف بهذا الاسم، وهو في الأصل واحدة المرو، وهي الحجارة البيض، ثم سمي به الجبل المعروف بمكة.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا يشعر بأن ذلك كان في نسك، إما حج، أو عمرة، وقد ثبت أنه حلق في حجته، فتعيّن أن يكون في عمرة، ولا سيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة، ولفظه: "قصّرت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بمشقص على المرة"، أو "رأيته يُقَصَّر عنه بمقشقص، وهو على المروة".

وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضيّة، أو الجعرانة، لكن وقع عند مسلم من طريق أخرى عن طاوس بلفظ: "أما علمت أني قصّرت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بمشقص، وهو على المروة، فقلت له: لا أعلم هذه إلا حجة عليك"، وبين المراد من ذلك في رواية النسائيّ، فقال بدل قوله: "فقلت له: لا الخ": يقول ابن عباس: "وهذه (١) على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتّع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "، ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس، قال: "تمتع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حتى مات " الحديث. وقال: أول من نهى عنها معاوية، قال ابن عباس: فعجبت منه، وقد حدثني أنه قصّر عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بمشقص انتهى.

وهذا يدلّ على أن ابن عبّاس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية: "إن هذه حجة عليك"، إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة. وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق في بن سعد، عن عطاء: "أن معاوية حدّث أنه أخذ من أطراف شعر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في أيام العشر بمشقص معي، وهو محرم" (٢). وفي كونه في حجة الوداع نظر؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يحلّ حتى بلغ الهدي محله، فكيف يقصّر عنه على المروة.

وقد بالغ النوويّ هنا في الردّ على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع، فقال: هذا الحديث محمول على أن معاوية قصّر عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في عمرة الجعرانة؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في حجة الوداع كان قارنًا، وثبت أنه حلق بمنى، وفرّق أبو طلحة شعره بين الناس، فلا يصحّ حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصحّ حمله أيضًا على عمرة القضاء


(١) - هكذا في "الفتح" ولعل نسخة النسائي وقعت له هكذا، وإلا فلفظ النسائيّ الذي عندنا: "يقول ابن عباس: هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة الخ. فليحرر.
(٢) - هذه الرواية ستأتي للمصنّف برقم ١٨٤/ ٢٩٨٩.