للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الواقعة سنة سبع؛ لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلمًا، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان. هذا هو الصحيح المشهور. ولا يصحّ قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان متمتّعًا؛ لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قيل له: "ما شأن الناس حلّوا من العمرة، ولم تحلّ أنت من عمرتك؟، فقال: إني لبّدت رأسي، وقلّدت هديي، فلا أحلّ حتى أنحر".

قال الحافظ: ولم يذكر الشيخ هنا ما مرّ في عمرة القضيّة، والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية، وكان يكتم إسلامه، ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح. وقد أخرج ابن عساكر في "تاريخ دمشق" من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضيّة، وأنه كان يُخفي إسلامه خوفًا من أبويه، وكان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لما دخل في عمرة القضيّة مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظروه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعلّ معاوية كان ممن تخلّف بمكة لسبب اقتضاه، ولا يعارضه أيضًا قول سعد بن أبي وقّاص فيما أخرجه مسلم وغيره: "فعلناها -يعني العمرة- في أشهر الحجّ، وهذا يومئذ كافر بالعُرُش" -بضمّتين- يعني بيوت مكة، يشير إلى معاوية؛ لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله، ولم يطّلع على إسلامه؛ لكونه كان يُخفيه. ويعكر على ما جوّزوه أن تقصيره كان في عمرة الجعرانة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ركب من الجعرانة بعد أن أحرم بعمرة، ولم يستصحب أحدًا معه إلا بعض أصحابه المهاجرين، فقدم مكة، فطاف، وسعى، وحلق، ورجع إلى الجعرانة، فأصبح بها كبائت، فخفيت عمرته على كثير من الناس. وكذا أخرجه الترمذيّ وغيره، ولم يعدّ معاوية فيمن صحبه حينئذ، ولا كان معاوية فيمن تخلّف عنه بمكة في غزوة حنين، حتى يقال: لعله وجده بمكة، بل كان مع القوم، وأعطاه مثل ما أعطى أباه من الغنيمة، مع جملة المؤلّفة. وأخرج الحاكم في "الإكليل" في آخر قصّة غزوة حنين أن الذي حلق رأسه - صلى اللَّه عليه وسلم - في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة.

فإن ثبت هذا، وثبت أن معاوية كان حينئذ معه، أو كان بمكة فقصّر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أوّلاً، وكان الحلاّق غائبًا في بعض حاجته، ثم

حضر، فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق؛ لأنه أفضل، ففعل.

وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضيّة، وثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه، وحصل التوفيق بين الأخبار كلها.

قال الحافظ: وهذا مما فتح اللَّه عليّ به في هذا الفتح، وللَّه الحمد، ثم للَّه الحمد أبدًا.