للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال صاحب "الهدي": الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدلّ على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يحلّ من إحرامه إلى يوم النحر، كما أخبر عن نفسه بقوله: "فلا أحلّ حتى أنحر"، وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره، ثم قال: ولعلّ معاوية قصّر عنه في عمرة الجعرانة، فنسي بعد ذلك، وظنّ أنه كان في حجته انتهى.

قال الحافظ: ولا يعكر على هذا إلا رواية قيس بن سعد المتقدّمة لتصريحه فيها يكون ذلك في أيام العشر، إلا أنها شاذّة، وقد قال قيس بن سعد عقبها: والناس ينكرون ذلك انتهى.

ويعكر عليه قوله في رواية أحمد: "قصّرت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عند المروة". أخرجه من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عباس.

وقال ابن حزم: يحتمل أن يكون معاوية قصّر عن رأس رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بقية شعر لم يكن الحلاّق استوفاه يوم النحر. وتعقّبه صاحب "الهدي" بأن الحالق لا يبقي شعرًا يقصر منه، ولا سيّما وقد قسم - صلى اللَّه عليه وسلم - شعره بين الصحابة الشعرة والشعرتين، وأيضًا فهو - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يسع بين الصفا والمروة إلا سعيًا واحدًا في أول ما قدم، فماذا يصنع عند المروة في العشر.

قال الحافظ: وفي رواية العشر نظر كما تقدّم. وقد أشار النوويّ إلى ترجيح كونه في الجعرانة، وصوّبه المحبّ الطبريّ، وابن القيّم.

وفيه نظر؛ لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة، واستبعاد بعضهم أن معاوية قصّر عنه في عمرة الحديبية لكونه لم يكن أسلم ليس ببعيد انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي ظهر لي مما سبق كله أن الأرجح هو الذي رجحه النوويّ، والمحبّ الطبريّ، وابن القيم من أنه محمول على أنه قصر معاوية عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الجعرانة، ولا يبعد أن يكون في عمرة القضيّة، ولا يعكر على ذلك ما مرّ عن الحاكم أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حلق فيها, لما تقدم في كلام الحافظ من الجمع، وأما الرواية التي تدلّ على أن ذلك كان في حجة الوداع فهي غلط من بعض الرواة، أو أن معاوية - رضي اللَّه عنه - نفسه ظن ذلك؛ حيث نسي، كما قاله ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(قَالَ) ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - (لا) أي لا أعلم ذلك (يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسِ: هَذَا مُعَاوِيَةُ، يَنْهَى النَّاسَ عَنِ الْمُتْعَةِ، وَقَدْ تَمَتَّعَ النَّبِيّ) وفي نسخة: "رسول اللَّه" (- صلى اللَّه عليه وسلم -) قد تقدّم توضيح معنى تمتّعه - صلى اللَّه عليه وسلم -. وغرض ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - بهذا الإنكارُ


(١) - "فتح" ٤/ ٣٩٠ - ٣٩٢.