للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى علي بن عبد العزيز، عن القعنبيّ، عن مالك في هذا الحديث: "وأهدى شاة"، فزاد ذكر الشاة، قال ابن عبد البرّ: وهو غير محفوظ عن ابن عمر، والدليل على غلطه أن ابن عمر كان مذهبه فيما استيسر من الهدي بقرة دون بقرة، أو بدنة دون بدنة.

ذكره عبد الرزّاق عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عنه. وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما استيسر من الهدي: البدنة، والبقرة. وروي عن عمر، وابن عبّاس، وعليّ، وغيرهم: ما استيسر من الهدي شاة، وعليه العلماء انتهى (١).

(ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهمَا جَمِيعًا) أي ذهب إلى البيت يرفع صوته بالحج والعمرة معًا (حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بالْبَيْتِ) يعني طواف القدوم، فقد حصل له ما أراده، ولم يقع له شيء مما توهّمه من الصَدّ (وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي سعى بينهما (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْحَرْ) هديه (وَلَمْ يَحْلِقْ) رأسهَ (وَلَمْ يُقَصَّرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ) "كان" هنا تامّة، ولذا اكتفت بمرفوعها: أي حتى جاء يوم النحر (فنَحَرَ، وَحَلَقَ، فَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةِ، بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ) قال القرطبيّ: يعني الطواف بين الصفا والمروة، وأما الطواف بالبيت، فلا يصحّ أن يقال فيه: إنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة؛ لأنه هو الركن الذي لا بدّ منه للمفرد، والقارن، ولا قائل بأن طواف القدوم يُجزىء عن طواف الإفاضة بوجه انتهى (٢).

وقال ابن عبد البرّ: فيه حجة لمالك في قوله: إن طواف القدوم إذا وُصل بالسعي يُجزىء عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلاً، أو نسيه، حتى رجع إلى بلده، وعليه الهدي، قال: ولا أعلم أحدًا قاله غيره، وغير أصحابه. انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصواب ما قاله القرطبيّ، من أن المراد بالطواف السعي، لا الطواف بالبيت، فإنه لا يكفى الطواف الأول عن الإفاضة، بدليل حديث جابر - رضي اللَّه عنه - الصحيح، قال: "لم يطف النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، طوافه الأول". فإن هذا صريح في كون المراد بالطواف الأول في حديث ابن عمر المذكور هو السعي بين الصفا والمروة، لا الطواف بالبيت، فإن جابرًا، وغيره قد نصّوا على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه أفاضوا يوم النحر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

وأما ما أطال به السنديّ نفسه، فلا أرى لنقله هنا وَجْهًا؛ لأن ما سبق يغني عنه، وأما استبعاده إطلاق الطواف على السعي، فعجيب منه، فإن هذا الحديث نفسه يُبطل ذلك،


(١) - راجع "التمهيد" ١٥/ ١٩٠.
(٢) - "المفهم" ٣/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٣) - راجع "الاستذكار" ١٢/ ٨٥.