للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدار بداره في المدينة غير صحيح، بل الصواب أنه المنزل الذي نزله بذي الحليفة.

ولأن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - معروف بشدة اتباعه للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فلا يمكن أن يخالفه في الإحرام قبل الميقات الذي حدّده - صلى اللَّه عليه وسلم - قولاً وفعلاً، وقد قدّمنا أن الأرجح أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات، فالمعنى الأول هو المتعيّن هنا. فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم.

(ثُمَّ خَرَجَ) أي من المدينة (حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ) وفي رواية جويرية: "ثم سار ساعة، ثم قال: إنما شأنهما واحد … "، قال الحافظ: وهو يؤيّد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة. وقال أيضًا: ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة انتهى.

(قَالَ) ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - (مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، إِلاَّ وَاحِدٌ) أي فيما يتعلّق بالإحصار، والإحلال. وقال القرطبيّ: أي في حكم الصدّ، يعني أنه من صُدّ عن البيت بعدوّ، فله أن يحلّ من إحرامه، سواء كان محرمًا بحجّ، أو عمرة، وإن كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما صُدّ عن عمرة؛ لكن لما كان الإحرام بالحجّ مساويًا للإحرام بالعمرة في الحكم حمله عليه انتهى.

وقال النووي: فيه صحة القياس، والعمل به، وأن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - كانوا يستعملونه، فلهذا قاس الحجّ على العمرة؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما تحلّل من الإحصار بعمرة عام الحديبية من إحرامه بعمرة وحدها انتهى (١).

قال الحافظ وليّ الدين: ما ذكره في معنى كلام ابن عمر لا يتعيّن، فقد يكون معناه: ما أمرهما إلا واحد في إمكان الإحصار عن كلّ منهما، فكأنه كان أولاً رأى الإحصار عن الحجّ أقرب من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحجّ، وكثرة أعماله، بخلاف العمرة، ويدلّ لهذا قوله في رواية عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع بعد قوله: "ما أمرهما إلا واحد": "إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحجّ"، وهو في "الصحيح" انتهى (٢).

(أُشْهِدُكُمْ أَنَّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا، مَعَ عُمْرَتِي) يعني أنه أدرف الحجّ على عمرته المتقدّمة، فصار قارنا. وفيه حجة على جواز إدخال الحج على العمرة، وهو مذهب الجمهور (وَأَهْدَى) بفتح الهمزة، فعل ماض من الإهداء (هَدْيًّا، اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ) بضم القاف مصغّرًا: موضع بين مكة والمدينة. يعني أنه قلّده هناك، وأشعره، ويعني به الهدي الذي وجب عليه لأجل قرانه.


(١) -"شرح مسلم" ٨/ ٤٣٩.
(٢) - "طرح التثريب" ٥/ ١٦٢.