للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المؤمنين، ولا حرج في ذلك. ثم أخرج من طريق ابن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه، قال: خرج معاوية ليلة النفر، فسمع صوت تلبية، فقال: من هذا؟ قيل: عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم، فذكر ذلك لعائشة، فقالت: لو سألني لأخبرته، فهذه أم المؤمنين ترفع صوتها حتى يسمعها معاوية في حاله التي كان فيها.

[فإن قيل]: قد رُوِيَ عن ابن عباس. لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية، وعن ابن عمر: ليس على النساء أن يرفعن أصواتهنّ بالتلبية.

[قلنا]: رواية ابن عمر هي من طريق عيسى بن أبي عيسى الخياط، وهو ضعيف، ورواية ابن عباس هي من طريق إبراهيم بن أبي حبيبة، وهو ضعيف، ولو صحتا لكانت رواية عائشة موافقة للنص. انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الأرجح؛ لظواهر النصوص.

فأما القائلون: لا ترفع المرأة صوتها فلم يأتوا بحجة مُقنِعة، وأما دعوى بعضهم الإجماع على أنها لا ترفع صوتها بالتلبية فغير صحيحة؛ إذ ليس فيها إجماع كما سمعته في كلام النووي، وابن حزم، فتبصّر بالإنصاف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في رفع الصوت بالتلبية في المساجد: قال المحب الطبري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رفع الصوت بالتلبية عند الشافعية مشروع في المساجد وغيرها، وقال مالك: لا يرفع صوته بها في مساجر الجماعة، بل يُسمِع نفسه ومن يليه، إلا في مسجد مني، والمسجد الحرام، فإنه يرفع صوته بها، وهو قول قديم للشافعي، وزاد مسجد عرفة؛ لأن هذه المساجد تختص بالنسك. انتهى.

وقال ابن قدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا يستحب رفع الصوت في الأمصار، ولا في مساجدها إلا مكة ومسجد الحرام، وهو قول مالك، وقال الشافعي: يلبي في المساجد كلها. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الأرجح؛ لإطلاق النصّ من غير تفريق بين مكان ومكان، لكن إن كان هناك من يتضرر برفع الصوت، كمصل ونحوه لا يرفع؛ لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "المحلّى" جـ ٧/ ٩٣ - ٩٥.
(٢) حديث صحيح أخرجه أحمد وابن ماجه.