للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أنه (قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلَّينَ، مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، بِحَجَّ مُفْرَدٍ) هذا باعتبار أغلبهم، وإلا فبعضهم قرن، كالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ مُهِلَّة بعُمْرَةٍ) أي باعتبار آخر أمرها، وإلا فإنما أهلوا في الميقات بالحجّ، لكن لما أمر خيرهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في الطريق أن يجعلوها عمرة، فمنهم من جعلها عمرة، ومنهم من استمرّ على حجه حتى عزم الأمر عند المروة، ففرض عليهم أن يتحللوا بالعمرة، فصاروا كلهم معتمرين (حَتَّى إِذَا كنَّا بِسَرِفَ) بفتح المهملة، وكسر الراء، بعدها فاء: موضع قريبٌ من مكة بينهما نحو من عشرة أميال، وهو ممنوع من الصرف، وقد يصرف. قاله في "الفتح" (١) (عَرَكَتْ) أي حاضت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -. يقال: عَرَكت تعرُك عُرُوكًا، من باب قعد: إذا حاضت (حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا، طُفْنَا بالْكَعْبَةِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي وسعينا بينهما (فَأمَرَنَا رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟) أي أيّ نوع من الحلّ؟، فإن الإحرام يحصل به حُرُم متعدّدة (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("الْحِلُّ كُلُّهُ") مبتدأ خبره محذوف، أي جائز، أو فاعل لفعل مقدّر، أي يجوز الحلّ، و"كله" توكيد. يعني أن كلّ الأشياء التي منعت بسبب الإحرام تحل (فَوَاقَعْنَا النَّسَاءَ) أي جامعناهنّ (وَتَطَيَّبْنَا بِالطَّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا) أي الثياب الممنوع لبسها في الإحرام (وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ، إِلاَّ أَرْبَعُ لَيَالٍ) يعني أنه لم يبق للوقوف بعرفة إلا أربع ليال، وذلك لأنهم دخلوا مكة لأربع ليال مضين من ذي الحجة، فطافوا، وتحللوا، فلم يبق بينهم وبين عرفة إلا ليلة الخامس، والسادس، والسابع، والثامن (ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ الترْوِيَةِ) أي أحرمنا بالحجّ يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي بذلك؛ لأن الماء كان قليلاً بمنى، فكانوا يرتوون من الماء لما بَعْدُ. قاله الفيّوميّ.

قال النوويّ: وفيه دليل لمذهب الشافعيّ، وموافقيه أن من كان بمكة، وأراد الإحرام بالحجّ استُحبّ له أن يُحرم يوم التروية، ولا يقدّمه عليه انتهى (ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: "مَا شَأْنُكِ؟ "، فَقَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ) أي من إحرامهم بالحجّ بعمل العمرة (وَلَمْ أُحْلِلْ) بضم أوله، وفتحه كما مرّ غير مرّة، ثم ذكرت سبب عدم إحلالها بقولها (وَلَمْ أطُفْ بِالْبَيْتِ) أي لكونها حائضًا (وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الآنَ، فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (إِنَّ هَذَا) إشارة إلى الحيض الذي حلّ بها، فمنعها من الطواف بالبيت (أَمْرٌ، كَتَبَهُ اللَّهُ) أي قدّره من غير


(١) - "فتح" ١/ ٥٣٣ في "كتاب الحيض".