للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مخرجه إلى الأبطح، وهو منزل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حين انصرف من حجته، وهو خيف بني كنانة الذي تقاسمت فيه في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم، وهو بين مكة ومنى، وربما يُسمّى الأبطح، والبطحاء؛ لقربه منه، ونُزُولُهُ بعد النفر من منى، والإقامة به إلى أن يصلي الظهر، والعصر، والعشاءين، ويخرج منه ليلًا سنةٌ عند مالك، والشافعيٌ، وبعض السلف؛ اقتداء بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يره بعضهم. انتهى كلام القرطبيّ (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه مسلم، وقد تقدّم في -٤٦/ ٢٧١٢ - وتقدم شرحه، وبيان مسائله هناك -وللَّه الحمد والمنة- فلم يبق هنا إلا إيضاح بعض مسائله التي لم تذكر هناك:

(المسألة الأولى): في اختلاف أهل العلم في اشتراط الطهارة للطواف بالبيت:

قال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- عند قوله: "غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري":

فيه نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها، وتغتسل، والنهي في العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معناه الجنابة، وكذا سائر الأحداث، وهذا يدلّ على اشتراط الطهارة في صحّة الطواف. وقد ذكر هذا الاستدلال ابن المنذر، وغيره.

ويدلّ له أيضًا ما رواه البيهقيّ وغيره من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الطواف بالبيت صلاة، إلا أن اللَّه أباح فيه الكلام". لكن الصحيح وقفه على ابن عبّاس، كما ذكره البيهقيّ وغيره. وقد يقال: إنه مرفوع حكمًا، وإن لم يكن مرفوعًا لفظًا؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي.

ويدلّ له أيضًا ما رواه البخاريّ، ومسلم عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ، ثم طاف بالبيت"، مع قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم".

وبهذا قال مالك، والشافعيّ، وأحمد، وأكثر العلماء من السلف والخلف. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، والحسن بن عليّ، وأبي العالية، ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وحكاه الخطابيّ عن عامة أهل العلم، وحكاه النوويّ في "شرح المهذّب" عن عامة العلماء، قال: وانفرد أبو حنيفة، فقال: الطهارة ليست بشرط للطواف، فلو طاف، وعليه نجاسة، أو محدثًا، أو جنبًا صحّ


(١) - "المفهم" ٣/ ٣٠٧.