للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبو محمد ابن حزم في "كتاب حجة الوداع" (١).

(طَافَتْ بِالْكعْبَةِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي سعت بينهما (ثُمَّ قَالَ: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا) هذا صريح في أن عمرتها لم تبطل، ولم تخرج منها، وأن قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في الرواية الأخرى: "ارفضي عمرتك"، و"دعي عمرتك" ليس معناه إبطالها بالكلية، والخروج منها، فإن العمرة، والحجّ لا يصحّ الخروج منهما بعد الإحرام بنية الخروج، وإنما يُخرج منهما بالتحلل بعد فراغهما، فيكون معناه: ارفضي العمل فيها، وإتمام أفعالها التي هي الطواف، والسعي، وتقصير شعر الرأس، فأمرها - صلى اللَّه عليه وسلم - بالإعراض عن أفعال العمرة، وأن تحرم بالحجّ، فتصير قارنة، وتقف بعرفات، وتفعل المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فتؤخّره حتى تطهر، وكذلك فعلت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -. فقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - هنا: "قد حللت من حجتك، وعمرتك جميعًا" يوضح هذا التأويل.

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: يستنبط منه -أي من قوله: "قد حللت من حجتك، وعمرتك جميعا" - ثلاث مسائل:

[إحداها]: أن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - كانت قارنة، ولم تبطل عمرتها، وأن الرفض المذكور متأول كما سبق.

[والثانية]: أن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، وهو مذهب الشافعيّ، والجمهور، وقال أبو حنيفة، وطائفة: يلزمه طوافان وسعيان.

[والثالثة]: أن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح، وموضع الدلالة أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمرها أن تصنع ما يصنع الحاجّ، غير الطواف بالبيت، ولم تسع كما لم تطف، فلو لم يكن السعي متوقّفًا على تقدم الطواف عليه لما أخرته انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في هذا الاستدلال نظر لا يخفى، فإن حديث "سعيت قبل أن أطوف، قال: طف ولا حرج" يردّ عليه فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

(فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِني أَجِدُ فِي نَفْسِي) أي حيث لم أعتمر عمرة مستقلّة، كسائر أمهات المؤمنين (أنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، حَتَّى حَجَجْتُ) أي انتهيت من الحجّ (قَالَ: "فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ"، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ) بفتح الحاء، وسكون الصاد المهملتين: أي ليلة المبيت بالمحصّب بعد النفر من منى.

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وهي الليلة التي ينزل الناس فيها المحصّب عند انصرافهم من مني إلى مكة. والتحصيب: إقامتهم بالمحصّب، وهو الشِّعْب الذي


(١) -"شرح مسلم" ٨/ ٣٩٤.
(٢) -"شرح مسلم" ٨/ ٣٩٣ - ٣٩٤.